مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 8 -صفحه : 175/ 123
نمايش فراداده

المنافع فيه، أما الآتي بالنوع الثانيفإنه لا يأتي به إلا لمجرد الانقياد والطاعة و العبودية، فلأجل هذا المعنىاشتمل الأمر بالحج في هذه الآية على أنواعكثيرة من التوكيدأحدها: قوله وَ لِلَّهِعَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ و المعنىأنه سبحانه لكونه إلهاً ألزم عبيده هذهالطاعة فيجب الانقياد سواء عرفوا وجهالحكمة فيها أو لم يعرفوا و ثانيها: أنهذكر النَّاسِ ثم أبدل منه مَنِ اسْتَطاعَإِلَيْهِ سَبِيلًا و فيه ضربان منالتأكيد، أما أولًا فلأن الإبدال تثنيةللمراد و تكرير، و ذلك يدل على شدةالعناية، و أما ثانياً فلأنه أجمل أولًا وفصل ثانياً و ذلك يدل على شدة الاهتمام‏وثالثها: أنه سبحانه عبّر عن هذا الوجوببعبارتين‏إحداهما: لام الملك في قوله وَلِلَّهِ و ثانيتهما:

كلمة (على) و هي للوجوب في قوله وَ لِلَّهِعَلَى النَّاسِ و رابعها: أن ظاهر اللفظيقتضي إيجابه على كل إنسان يستطيعه، وتعميم التكليف يدل على شدة الاهتمام‏وخامسها: أنه قال وَ مَنْ كَفَرَ مكان، و منلم يحج و هذا تغليظ شديد في حق تارك الحج‏وسادسها: ذكر الاستغناء و ذلك مما يدل علىالمقت و السخط و الخذلان و سابعها: قولهعَنِ الْعالَمِينَ و لم يقل عنه لأنالمستغني عن كل العالمين أولى أن يكونمستغنياً عن ذلك الإنسان الواحد و عنطاعته، فكان ذلك أدل على السخطو ثامنها: أنفي أول الآية قال: وَ لِلَّهِ عَلَىالنَّاسِ فبيّن أن هذا الإيجاب كان لمجردعزة الإلهية و كبرياء الربوبية، لا لجرنفع و لا لدفع ضر، ثم أكد هذا في آخر الآيةبقوله فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِالْعالَمِينَ و مما يدل من الأخبار علىتأكيد الأمر بالحج، قوله عليه الصلاة والسلام: «حجوا قبل أن لا تحجوا فإنه قد هدمالبيت مرتين و يرفع في الثالث» و روي «حجواقبل أن لا تحجوا حجوا قبل أن يمنع البرجانبه» قيل: معناه أنه يتعذر عليكم السفرفي البر في مكة لعدم الأمن أو غيره، و عنابن مسعود «حجوا هذا البيت قبل أن تنبت فيالبادية شجرة لا تأكل منها دابة إلا هلكت».

[سورة آل‏عمران (3): الآيات 98 الى 99]

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَتَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُشَهِيدٌ عَلى‏ ما تَعْمَلُونَ (98) قُلْ ياأَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْسَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهاعِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَااللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)

[في قوله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَتَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ‏]

إعلم أن في كيفية النظم وجهين‏الأول: و هوالأوفق: أنه تعالى لما أورد الدلائل علىنبوّة محمد عليه الصلاة و السلام مما وردفي التوراة و الإنجيل من البشارة بمقدمه،ثم ذكر عقيب ذلك شبهات القوم.

فالشبهة الأولى: ما يتعلق بإنكار النسخ.

و أجاب عنها بقوله كُلُّ الطَّعامِ كانَحِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ماحَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى‏ نَفْسِهِ [آلعمران: 93].

و الشبهة الثانية: ما يتعلق بالكعبة ووجوب استقبالها في الصلاة و وجوب حجها.

و أجاب عنها بقوله إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍوُضِعَ لِلنَّاسِ [آل عمران: 96] إلى آخرها،فعند هذا تمت وظيفة الاستدلال و كملالجواب عن شبهات أرباب الضلال، فعند ذلكخاطبهم بالكلام اللين وقال: لِمَتَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ بعد ظهورالبينات و زوال الشبهات، و هذا هو الغايةالقصوى في ترتيب الكلام و حسن نظمه.

الوجه الثاني: و هو أنه تعالى لما بينفضائل الكعبة و وجوب الحج، و القوم كانواعالمين بأن هذا هو الدين الحق و الملةالصحيحة قال لهم: لِمَ تَكْفُرُونَبِآياتِ اللَّهِ بعد أن علمتم كونها حقةصحيحة.