لأنه يوجب رفع الحجر عما يقتضي أن يكونالإنسان محجوراً عنه و إنه غير جائز.
قوله تعالى: حَقَّ تُقاتِهِ أي كما يجب أنيتقى يدل عليه قوله تعالى: حَقُّالْيَقِينِ [الواقعة: 95] و يقال: هو الرجلحقاً، و منه قوله عليه السلام: «أنا النبيلا كذب، أنا ابن عبد المطلب» و عن علي رضياللّه عنه أنه قال: أنا علي لا كذب أنا ابنعبد المطلب، و التقى اسم الفعل من قولكاتقيت، كما أن الهدى اسم الفعل من قولكاهتديت.
أما قوله تعالى: وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّاوَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
فلفظ النهي واقع على الموت، لكن المقصودالأمر بالإقامة على الإسلام، و ذلك لأنهلما كان يمكنهم الثبات على الإسلام حتىإذا أتاهم الموت أتاهم و هم على الإسلام،صار الموت على الإسلام بمنزلة ما قد دخل فيإمكانهم، و مضى الكلام في هذا عند قولهإِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَفَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْمُسْلِمُونَ [البقرة: 132].
ثم قال تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِاللَّهِ جَمِيعاً.
و اعلم أنه تعالى لما أمرهم بالاتقاء عنالمحظورات أمرهم بالتمسك بالاعتصام بماهو كالأصل لجميع الخيرات و الطاعات، و هوالاعتصام بحبل اللّه.
و اعلم أن كل من يمشي على طريق دقيق يخافأن تزلق رجله، فإذا تمسك بحبل مشدودالطرفين بجانبي ذلك الطريق أمن من الخوف،و لا شك أن طريق الحق طريق دقيق، و قد انزلقرجل الكثير من الخلق عنه، فمن اعتصم بدليلاللّه و بيناته فإنه يأمن من ذلك الخوف،فكان المراد من الحبل ههنا كل شيء يمكنالتوصل به إلى الحق في طريق الدين، و هوأنواع كثيرة، فذكر كل واحد من المفسرينواحداً من تلك الأشياء، فقال ابن عباس رضياللّه عنهما: المراد بالحبل ههنا العهدالمذكور في قوله وَ أَوْفُوا بِعَهْدِيأُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة: 40] و قال:إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍمِنَ النَّاسِ [آل عمران: 112] أي بعهد، وإنما سمي العهد حبلًا لأنه يزيل عنه الخوفمن الذهاب إلى أي موضع شاء، و كان كالحبلالذي من تمسك به زال عنه الخوف، و قيل: إنهالقرآن، روي عن علي رضي اللّه عنه عن النبيصلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أما إنهاستكون فتنة» قيل: فما المخرج منها؟ قال:«كتاب اللّه فيه نبأ من قبلكم و خبر منبعدكم و حكم ما بينكم و هو حبل اللّهالمتين» و روي عن ابن مسعود عن النبي صلّىالله عليه وسلّم أنه قال: «هذا القرآن حبلاللّه» و روي عن أبي سعيد الخدري عن النبيصلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إني تاركفيكم الثقلين، كتاب اللّه تعالى حبل ممدودمن السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي» وقيل: إنه دين اللّه، و قيل: هو طاعة اللّه،و قيل: هو إخلاص التوبة، و قيل: الجماعة،لأنه تعالى ذكر عقيب ذلك قوله وَ لاتَفَرَّقُوا و هذه الأقوال كلها متقاربة،و التحقيق ما ذكرنا أنه لما كان النازل فيالبئر يعتصم بحبل تحرزاً من السقوط فيها،و كان كتاب اللّه و عهده و دينه و طاعته وموافقته لجماعة المؤمنين حرزاً لصاحبه منالسقوط في قعر جهنم جعل ذلك حبلًا للّه، وأمروا بالإعتصام به.
ثم قال تعالى: وَ لا تَفَرَّقُوا و فيهمسألتان:
في التأويل وجوهالأول: أنه نهى عنالاختلاف في الدين و ذلك لأن الحق لا يكونإلا واحدا، و ما عداه يكون جهلًا و ضلالًا،فلما كان كذلك وجب أن يكون النهي عنالاختلاف في الدين، و إليه الإشارة