قلنا: قد بينا أنه دعاء بازدياد ما يوجبهذا الغيظ و هو قوة الإسلام فسقط السؤال:
و أيضا فإنه دعاء عليهم بالموت قبل بلوغما يتمنون.
ثم قال: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِالصُّدُورِ و فيه مسائل:
(ذات) كلمة وضعت لنسبة المؤنث كما أن (ذو)كلمة وضعت لنسبة المذكر و المراد بذاتالصدور الخواطر القائمة بالقلب و الدواعيو الصوارف الموجودة فيه و هي لكونها حالةفي القلب منتسبة إليه فكانت ذات الصدور، والمعنى أنه تعالى عالم بكل ما حصل فيقلوبكم من الخواطر و البواعث و الصوارف.
قال صاحب «الكشاف» يحتمل أن تكون هذهالآية داخلة في جملة المقول و أن لا تكونأما الأول: فالتقدير: أخبرهم بما يسرونه منعضهم الأنامل غيظا إذا خلوا و قل لهم: إناللّه عليم بما هو أخفي مما تسرونه بينكم،و هو مضمرات الصدور، فلا تظنوا أن شيئا منأسراركم يخفى عليه أماالثاني: و هو أن لايكون داخلا في المقول فمعناه: قل لهم ذلكيا محمد و لا تتعجب من اطلاعي إياك على مايسرون، فإني أعلم ما هو أخفى من ذلك، و هوما أضمروه في صدورهم و لم يظهروه بألسنتهمو يجوز أن لا يكون، ثم قول و أن يكون قولهقُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ أمر الرسولصلّى الله عليه وسلّم بطيب النفس و قوةالرجاء و الاستبشار بوعد اللّه إياه أنهميهلكون غيظا بإعزاز الإسلام و إذلالهم به،كأنه قيل: حدث نفسك بذلك و اللّه تعالىأعلم.
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْوَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوابِها وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لايَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّاللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
و اعلم أن هذه الآية من تمام وصفالمنافقين، فبيّن تعالى أنهم مع ما لهم منالصفات الذميمة و الأفعال القبيحةمترقبون نزول نوع من المحنة و البلاءبالمؤمنين، و في الآية مسائل:
المس أصله باليد ثم يسمى كل ما يصل إلىالشيء (ماسا) على سبيل التشبيه فيقال:فلان مسّه التعب و النصب، قال تعالى: وَ مامَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] و قال: وَ إِذامَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ[الإسراء: 67] قال صاحب «الكشاف»: المس ههنابمعنى الإصابة، قال تعالى: إِنْ تُصِبْكَحَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَمُصِيبَةٌ [التوبة: 50] و قوله ما أَصابَكَمِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ ماأَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ[النساء: 79] وقال: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّجَزُوعاً وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُمَنُوعاً [المعارج: 20، 21].
المراد من الحسنة ههنا منفعة الدنيا علىاختلاف أحوالها، فمنها صحة البدن و حصولالخصب و الفوز بالغنيمة و الاستيلاء علىالأعداء و حصول المحبة و الالفة بينالأحباب و المراد بالسيئة أضدادها، و هيالمرض و الفقر و الهزيمة و الانهزام منالعدو و حصول التفرق بين الأقارب، و القتلو النهب و الغارة، فبيّن تعالى أنهميحزنون و يغتمون بحصول نوع من أنواعالحسنة للمسلمين و يفرحون بحصول نوع منأنواع السيئة لهم.
يقال ساء الشيء يسوء فهو سيء، و الأنثىسيئة أي قبح، و منه قوله تعالى: ساءَ مايَعْمَلُونَ [المائدة: 66] و السوأى ضدالحسنى.
ثم قال: وَ إِنْ تَصْبِرُوا
يعني على طاعة اللّه و على ما ينالكم فيهامن شدة و غم وَ تَتَّقُوا كل ما نهاكم