فيه أمده يمده، و ما كان على جهة الزيادةقيل فيه: مده يمده و منه قوله وَ الْبَحْرُيَمُدُّهُ [لقمان: 27].
قرأ ابن عامر منزلين مشدد الزاي مفتوحةعلى التكثير، و الباقون بفتح الزاي مخففةو هما لغتان.
قال صاحب «الكشاف»: إنما قدم لهم الوعدبنزول الملائكة لتقوى قلوبهم و يعزموا علىالثبات و يثقوا بنصر اللّه و معنى أَ لَنْيَكْفِيَكُمْ إنكار أن لا يكفيكم الإمدادبثلاثة آلاف من الملائكة و إنما جيء بلنالتي هي لتأكيد النفي للاشعار بأنهم كانوالقلتهم و ضعفهم و كثرة عددهم كالآيسين منالنصر.
ثم قال تعالى:
بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذايُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِآلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ(125)
و في الآية مسائل:
بلى: إيجاب لما بعد (لن) يعني بل يكفيكمالإمداد فأوجب الكفاية، ثم قال: إِنْتَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْمِنْ فَوْرِهِمْ هذا يعني و المشركونيأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بأكثر منذلك العدد و هو خمسة آلاف، فجعل مجيءخمسة آلاف من الملائكة مشروطة بثلاثةأشياء، الصبر و التقوى و مجيء الكفار علىالفور، فلما لم توجد هذه الشرائط لا جرم لميوجد المشروط.
الفور مصدر من: فارت القدر إذا غلت، قالتعالى: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَالتَّنُّورُ [هود: 40] قيل إنه أول ارتفاعالماء منه ثم جعلوا هذه اللفظة استعارة فيالسرعة، يقال جاء فلان و رجع من فوره، ومنه قول الأصوليين الأمر للفور أوالتراخي، و المعنى حدة مجيء العدو وحرارته و سرعته.
قرأ ابن كثير و أبو عمرو و عاصممُسَوِّمِينَ بكسر الواو أي معلمين علمواأنفسهم بعلامات مخصوصة، و أكثر الأخبارأنهم سوموا خيولهم بعلامات جعلوها عليها،و الباقون بفتح الواو، أي سومهم اللّه أوبمعنى أنهم سوموا أنفسهم، فكان في المرادمن التسويم في قوله مُسَوِّمِينَقولانالأول: السومة العلامة التي يعرفبها الشيء من غيره، و مضى شرح ذلك في قولهوَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ [آل عمران: 14]و هذه العلامة يعلمها الفارس يوم اللقاءليعرف بها، و في الخبر أن النبي صلّى اللهعليه وسلّم قال يوم بدر: «سوموا فإنالملائكة قد سومت» قال ابن عباس: كانتالملائكة قد سوموا أنفسهم بالعمائمالصفر، و خيولهم و كانوا على خيل بلق، بأنعلقوا الصوف الأبيض في نواصيها و أذنابها،و روي أن حمزة بن عبد المطلب كان يعلمبريشة نعامة، و أن علياً كان يعلم بصوفةبيضاء و أو الزبير كان يتعصب بعصابة صفراءو أن أبا دجانة كان يعلم بعصابة حمراء.
القول الثاني: في تفسير المسومين إنهبمعنى المرسلين مأخوذاً من الإبل السائمةالمرسلة في الرعي، تقول أسمت الإبل إذاأرسلتها، و يقال في التكثير سومت كما تقولأكرمت و كرمت، فمن قرأ مُسَوِّمِينَ بكسرالواو فالمعنى أن الملائكة أرسلت خيلهاعلى الكفار لقتلهم و أسرهم، و من قرأ بفتحالواو فالمعنى أن اللّه تعالى أرسلهم علىالمشركين ليهلكوهم كما تهلك الماشيةالنبات و الحشيش.
وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرىلَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْبِهِ وَ مَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَكَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْفَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127)