هذا الكلام الذي زعموا أنه الأصل في معرضالتعجب فكذا ههنا، و أماالثالث: فمن الذيسلم لكم أنه لا يجوز أن يقال: يا اللّهم وأنشد الفرّاء:
و قول البصريين: إن هذا الشعر غير معروف،فحاصله تكذيب النقل، و لو فتحنا هذا البابلم يبق شيء من اللغة و النحو سليماً عنالطعن، و أما قوله: كان يلزم أن يكون ذكرحرف النداء لازماً فجوابه أنه قد يحذف حرفالنداء كقوله يُوسُفُ أَيُّهَاالصِّدِّيقُ أَفْتِنا [يوسف: 46] فلا يبعدأن يختص هذا الاسم بإلزام هذا الحذف، ثماحتج الفراء على فساد قول البصريين منوجوهالأول: أنا لو جعلنا الميم قائماًمقام حرف النداء لكنا قد أخرنا النداء عنذكر المنادى، و هذا غير جائز ألبتة، فإنهلا يقال ألبتة (اللّه يا) و على قولكم يكونالأمر كذلكالثاني: لو كان هذا الحرفقائماً مقام النداء لجاز مثله في سائرالأسماء، حتى يقال: زيدم و بكرم، كما يجوزأن يقال: يا زيد و يا بكر و الثالث: لو كانالميم بدلًا عن حرف النداء لما اجتمعا،لكنهما اجتمعا في الشعر الذيرويناهالرابع: لم نجد العرب يزيدون هذهالميم في الأسماء التامة لإفادة معنى بعضالحروف المباينة للكلمة الداخلة عليها،فكان المصير إليه في هذه اللفظة الواحدةحكماً على خلاف الاستقراء العام في اللغةو أنه غير جائز، فهذا جملة الكلام في هذاالموضع.
مالِكَ الْمُلْكِ في نصبه وجهانالأول: وهو قول سيبويه أنه منصوب على النداء، وكذلك قوله قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَالسَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [الزمر: 46] و لايجوز أن يكون نعتاً لقوله اللَّهُمَّ لأنقولنا اللَّهُمَّ مجموع الاسم و الحرف، وهذا المجموع لا يمكن وصفهو الثاني: و هوقول المبرد و الزجاج أن مالِكَ وصفللمنادى المفرد، لأن هذا الاسم و معهالميم بمنزلته و معه (يا) و لا يمتنع الصفةمع الميم، كما لا يمتنع مع الياء.
روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حينافتتح مكة وعد أمته ملك فارس و الروم، فقالالمنافقون و اليهود:
هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم، و هم أعز و أمنع من ذلك، و روي أنهعليه الصلاة و السلام لما خط الخندق عامالأحزاب، و قطع لكل عشرة أربعين ذراعاً، وأخذوا يحفرون خرج من بطن الخندق صخرةكالتل العظيم لم تعمل فيها المعاول،فوجهوا سلمان إلى النبي صلّى الله عليهوسلّم فخبره، فأخذ المعول من سلمان فلماضربها ضربة صدعها و برق منها برق أضاء مابين لابتيها كأنه مصباح في جوف ليل مظلم،فكبّر و كبر المسلمون، و قال عليه الصلاة والسلام: «أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنهاأنياب الكلاب» ثم ضرب الثانية، فقال:«أضاءت لي منها القصور الحمر من أرضالروم» ثم ضرب الثالثة فقال: «أضاءت ليمنها قصور صنعاء و أخبرني جبريل عليهالسلام أن أمتي ظاهرة على كلها فأبشروا»فقال المنافقون: ألا تعجبون من نبيّكميعدكم الباطل و يخبركم أنه يبصر من يثربقصور الحيرة و مداين كسرى، و أنها تفتح لكمو أنتم تحفرون الخندق من الخوف لاتستطيعون أن تخرجوا فنزلت هذه الآية واللّه أعلم، و قال الحسن إن اللّه تعالىأمر نبيّه أن يسأله أن يعطيه ملك فارس والروم و يرد ذل العرب عليهما، و أمره بذلكدليل على أنه يستجيب له هذا الدعاء، و هكذامنازل الأنبياء عليهم الصلاة و السلام إذاأمروا بدعاء استجيب دعاءهم.
الْمُلْكِ هو القدرة، و المالك هوالقادر، فقوله مالِكَ الْمُلْكِ معناهالقادر على القدرة، و المعنى إن قدرةالخلق على كل ما يقدرون عليه ليست بإقداراللّه تعالى فهو الذي يقدر كل قادر علىمقدوره،