مفاتیح الشرائع جلد 8
لطفا منتظر باشید ...
و يملك كل مالك مملوكه، قال صاحب «الكشاف»مالِكَ الْمُلْكِ أى يملك جنس الملكفيتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون،و اعلم أنه تعالى لما بيّن كونه مالِكَالْمُلْكِ على الإطلاق، فصل بعد ذلك و ذكرأنواعاً خمسة:النوع الأول: قوله تعالى: تُؤْتِيالْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُالْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُو ذكروا فيه وجوهاًالأول: المراد منه: ملكالنبوّة و الرسالة، كما قال تعالى: فَقَدْآتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاًعَظِيماً [النساء: 54] و النبوّة أعظم مراتبالملك لأن العلماء لهم أمر عظيم على بواطنالخلق و الجبابرة لهم أمر على ظواهر الخلقو الأنبياء أمرهم نافذ في البواطن والظواهر، فأما على البواطن فلأنه يجب علىكل أحد أن يقبل دينهم و شريعتهم، و أنيعتقد أنه هو الحق، و أما على الظواهرفلأنهم لو تمردوا و استكبروا لاستوجبواالقتل، و مما يؤكد هذا التأويل أن بعضهمكان يستبعد أن يجعل اللّه تعالى بشراًرسولًا فحكى اللّه عنهم قولهم أَ بَعَثَاللَّهُ بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: 94] وقال اللّه تعالى: وَ لَوْ جَعَلْناهُمَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا [الأنعام: 9]و قوم آخرون جوزوا من اللّه تعالى أن يرسلرسولًا من البشر، إلا أنهم كانوا يقولون:إن محمداً فقير يتيم، فكيف يليق به هذاالمنصب العظيم على ما حكى اللّه عنهم أنهمقالوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُعَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِعَظِيمٍ [الزخرف: 31] و أما اليهود فكانوايقولون النبوّة كانت في آبائنا و أسلافنا،و أما قريش فهم ما كانوا أهل النبوّة والكتاب فكيف يليق النبوّة بمحمد صلّى اللهعليه وسلّم؟ و أما المنافقون فكانوايحسدونه على النبوّة، على ما حكى اللّهذلك عنهم في قوله أَمْ يَحْسُدُونَالنَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْفَضْلِهِ [النساء: 37].و أيضاً فقد ذكرنا في تفسير قوله تعالى:قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَوَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ [آل عمران: 12] أن اليهودتكبروا على النبي صلّى الله عليه وسلّمبكثرة عددهم و سلاحهم و شدتهم، ثم إنهتعالى رد على جميع هؤلاء الطوائف بأن بيّنأنه سبحانه هو مالك الملك فيؤتي ملكه منيشاء، فقال تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْتَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْتَشاءُ.فإن قيل: فإذا حملتم قوله تُؤْتِيالْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ على إيتاء ملكالنبوّة، وجب أن تحملوا قوله وَ تَنْزِعُالْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ على أنه قد يعزلعن النبوّة من جعله نبياً، و معلوم أن ذلكلا يجوز.قلنا: الجواب من وجهينالأول: أن اللّهتعالى إذا جعل النبوّة في نسل رجل، فإذاأخرجها اللّه من نسله، و شرّف بها إنساناًآخر من غير ذلك النسل، صح أن يقال إنهتعالى نزعها منهم، و اليهود كانوا معتقدينأن النبوّة لا بد و أن تكون في بنيإسرائيل، فلما شرف اللّه تعالى محمداًصلّى الله عليه وسلّم بها، صح أن يقال: إنهينزع ملك النبوّة من بني إسرائيل إلىالعرب.و الجواب الثاني: أن يكون المراد من قولهوَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ أيتحرمهم و لا تعطيهم هذا الملك لا على معنىأنه يسلبه ذلك بعد أن أعطاه، و نظيره قولهتعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَآمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِإِلَى النُّورِ [البقرة: 257] مع أن هذاالكلام يتناول من لم يكن في ظلمة الكفر قط،و قال اللّه تعالى مخبراً عن الكفار أنهمقالوا للأنبياء عليهم الصلاة و السلامأَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا[الأعراف: 88] و أولئك الأنبياء قالوا وَ مايَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّاأَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الأعراف: 89] مع أنهمما كانوا فيها قط، فهذا جملة الكلام فيتقرير قول من فسّر قوله تعالى: تُؤْتِيالْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ بملك النبوة.