واجباً، و عند حدوث الكيفية المزاجيةيكون تعلق النفس بذلك البدن واجباً، فثبتأن حدوث الإنسان على سبيل التولد معقولممكن، و إذا كان الأمر كذلك فحدوث الإنسانلا عن الأب أولى بالجواز و الإمكان.
الوجه الثاني: و هو أنا نشاهد حدوث كثير منالحيوانات على سبيل التولد، كتولد الفأرعن المدر، و الحيات عن الشعر، و العقارب عنالباذروج، و إذا كان كذلك فتولد الولد لاعن الأب أولى أن لا يكون ممتنعاً.
الوجه الثالث: و هو أن التخيلات الذهنيةكثيراً ما تكون أسباباً لحدوث الحوادثالكثيرة ليس أن تصور المنافي يوجب حصولكيفية الغضب، و يوجب حصول السخونة الشديدةفي البدن أليس اللوح الطويل إذا كانموضوعاً على الأرض قدر الإنسان على المشيعليه و لو جعل كالقنطرة على وهدة لم يقدرعلى المشي عليه، بل كلما مشى عليه يسقط وما ذاك إلا أن تصور السقوط يوجب حصولالسقوط، و قد ذكروا في «كتب الفلسفة»أمثلة كثيرة لهذا الباب، و جعلوها كالأصلفي بيان جواز المعجزات و الكرامات، فماالمانع من أن يقال إنه لما تخيلت صورتهعليه السلام كفى ذلك في علوق الولد فيرحمها. و إذا كان كل هذه الوجوه ممكناًمحتملًا كان القول بحدوث عيسى عليه السلاممن غير واسطة الأب قولًا غير ممتنع، و لوأنك طالبت جميع الأولين و الآخرين منأرباب الطبائع و الطب و الفلسفة على إقامةحجة إقناعية في امتناع حدوث الولد من غيرالأب لم يجدوا إليه سبيلًا إلا الرجوع إلااستقراء العرف و العادة، و قد اتفق علماءالفلاسفة على أن مثل هذا الاستقراء لايفيد الظن القوي فضلًا عن العلم، فعلمناأن ذلك أمر ممكن فلما أخبر العباد عن وقوعهوجب الجزم به و القطع بصحته.
أما قوله تعالى: بِكَلِمَةٍ مِنْهُ
فلفظة (من) ليست للتبعيض ههنا إذ لو كانكذلك لكان اللّه تعالى متجزئاً متبعضاًمتحملًا للاجتماع و الافتراق و كل من كانكذلك فهو محدث و تعالى اللّه عنه، بلالمراد من كلمة (من) ههنا ابتداء الغاية وذلك لأن في حق عيسى عليه السلام لما لم تكنواسطة الأب موجودة صار تأثير كلمة اللّهتعالى في تكوينه و تخليقه أكمل و أظهر فكانكونه كلمة اللَّهَ مبدأ لظهوره و لحدوثهأكمل فكان المعنى لفظ ما ذكرناه لا مايتوهمه النصارى و الحلولية.
و أما قوله تعالى: اسْمُهُ الْمَسِيحُعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ففيه سؤالات:
المسيح: هل هو اسم مشتق، أو موضوع؟.
و الجواب: فيه قولانالأول: قال أبو عبيدةو الليث: أصله بالعبرانية مشيحا، فعربتهالعرب و غيروا لفظه، و عيسى: أصله يشوع كماقالوا في موسى: أصله موشى، أو ميشابالعبرانية، و على هذا القول لا يكون لهاشتقاق.
و القول الثاني: أنه مشتق و عليهالأكثرون، ثم ذكروا فيه وجوهاًالأول: قالابن عباس: إنما سمي عيسى عليه السلاممسيحاً، لأنه ما كان يمسح بيده ذا عاهة،إلا برىء من مرضهالثاني: قال أحمد بنيحيى: سمي مسيحاً لأنه كان يمسح الأرض أييقطعها، و منه مساحة أقسام الأرض، و علىهذا المعنى يجوز أن يقال: لعيسى مسيحبالتشديد على المبالغة كما يقال للرجلفسيق و شريبالثالث: أنه كان مسيحاً، لأنهكان يمسح رأس اليتامى للّه تعالى، فعلىهذه الأقوال: هو فعيل بمعنى: فاعل، كرحيمبمعنى: راحمالرابع: أنه مسح من الأوزار والآثام و الخامس: سمي مسيحاً لأنه ما كانفي قدمه خمص، فكان ممسوح القدمينوالسادس: سمي مسيحاً لأنه كان ممسوحاً بدهنطاهر مبارك يمسح به الأنبياء، و لا يمسح بهغيرهم، ثم قالوا: و هذا الدهن يجوز أن يكوناللّه تعالى