في هذه الآية وجوهالأول: تقدير الآية: ونعلمه الكتاب و الحكمة و التوراة والإنجيل و نبعثه رسولًا إلى بني إسرائيل،قائلًا أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍمِنْ رَبِّكُمْ و الحذف حسن إذا لم يفض إلىالاشتباهالثاني: قال الزجاج: الاختيارعندي أن تقديره: و يكلم الناس رسولًا، وإنما أضمرنا ذلك لقوله أَنِّي قَدْجِئْتُكُمْ و المعنى:
و يكلمهم رسولا بأني قد جئتكم، الثالث:قال الأخفش: إن شئت جعلت الواو زائدة، والتقدير: و يعلمه الكتاب و الحكمة والتوراة، و الإنجيل رسولًا إلى بنيإسرائيل، قائلًا: أني قد جئتكم بآية.
هذه الآية تدل على أنه صلّى الله عليهوسلّم كان رسولًا إلى كل بني إسرائيلبخلاف قول بعض اليهود إنه كان مبعوثاً إلىقوم مخصوصين منهم.
المراد بالآية الجنس لا الفرد لأنه تعالىعدد ههنا أنواعاً من الآيات، و هي إحياءالموتى، و إبراء الأكمه و الأبرص، والإخبار عن المغيبات فكان المراد من قولهقَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْالجنس لا الفرد.
ثم قال: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَالطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِفَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراًبِإِذْنِ اللَّهِ. اعلم أنه تعالى حكىههنا خمسة أنواع من معجزات عيسى عليهالسلام:
و فيه مسائل:
قرأ حمزة أَنِّي بفتح الهمزة، و قرأ نافعبكسر الهمزة فمن فتح أَنِّي فقد جعلهابدلًا من آية كأنه قال: و جئتكم بأني أخلقلكم من الطين، و من كسر فله وجهانأحدهما:الاستئناف و قطع الكلام مما قبله و الثاني:أنه فسر الآية بقوله أَنِّي أَخْلُقُلَكُمْ و يجوز أن يفسر الجملة المتقدمةبما يكون على وجه الابتداء قال اللّهتعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواوَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ [الفتح: 29] ثمفسّر الموعود بقوله لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وقال: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِكَمَثَلِ آدَمَ [آل عمران: 59] ثم فسّر المثلبقوله. خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آل عمران: 59]و هذا الوجه أحسن لأنه في المعنى كقراءة منفتح أَنِّي على جعله بدلًا من آية.
أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ أي أقدر وأصور و قد بينا في تفسير قوله تعالى: ياأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُالَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة: 21] إن الخلقهو التقدير و لا بأس بأن نذكره ههنا أيضاًفنقول الذي يدل عليه القرآن و الشعر والاستشهاد، أما القرآن فآياتأحدها: قولهتعالى: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُالْخالِقِينَ [المؤمنون: 14] أي المقدرين، وذلك لأنه ثبت أن العبد لا يكون خالقاًبمعنى التكوين و الإبداع فوجب تفسير كونهخالقاً بالتقدير و التسويةو ثانيها: أنلفظ الخلق يطلق على الكذب قال تعالى فيسورة الشعراء إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُالْأَوَّلِينَ [الشعراء: 137] و في العنكبوتوَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً [العنكبوت: 17] و فيسورة ص إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص: 7] والكاذب إنما سمي خالقاً لأنه يقدر الكذبفي خاطره و يصورهو ثالثها: هذه الآيةالتي نحن في تفسيرها و هي قوله أَنِّيأَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ أي أصور وأقدر و قال تعالى في المائدة وَ إِذْتَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِالطَّيْرِ [المائدة: 110] و كل ذلك يدل على أنالخلق هو التصوير و التقديرو رابعها: قولهتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِيالْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة: 29] و قولهخَلَقَ إشارة إلى الماضي، فلو حملنا قولهخَلَقَ على الإيجاد