في إلقاء شبهه على غيره، و هل فيه إلاإلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟.
أنه إذا ألقى شبهه على غيره ثم إنه رفع بعدذلك إلى السماء فالقوم اعتقدوا فيه أنه هوعيسى مع أنه ما كان عيسى، فهذا كان إلقاءلهم في الجهل و التلبيس، و هذا لا يليقبحكمة اللّه تعالى.
أن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها و شدة محبتهم للمسيح عليه السلام،و غلوهم في أمره أخبروا أنهم شاهدوهمقتولًا مصلوباً، فلو أنكرنا ذلك كانطعناً فيما ثبت بالتواتر، و الطعن فيالتواتر يوجب الطعن في نبوّة محمد صلّىالله عليه وسلّم، و نبوّة عيسى، بل فيوجودهما، و وجود سائر الأنبياء عليهمالصلاة و السلام و كل ذلك باطل.
أنه ثبت بالتواتر أن المصلوب بقي حياًزماناً طويلًا، فلو لم يكن ذلك عيسى بل كانغيره لأظهر الجزع، و لقال: إني لست بعيسىبل إنما أنا غيره، و لبالغ في تعريف هذاالمعنى، و لو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذاالمعنى، فلما لم يوجد شيء من هذا علمناأن ليس الأمر على ما ذكرتم، فهذا جملة مافي الموضع من السؤالات:
أن كل من أثبت القادر المختار، سلم أنهتعالى قادر على أن يخلق إنساناً آخر علىصورة زيد مثلًا، ثم إن هذا التصوير لا يوجبالشك المذكور، فكذا القول فيما ذكرتم:
أن جبريل عليه السلام لو دفع الأعداء عنهأو أقدر اللّه تعالى عيسى عليه السلام علىدفع الأعداء عن نفسه لبلغت معجزته إلى حدالإلجاء، و ذلك غير جائز.
فإنه تعالى لو رفعه إلى السماء و ما ألقيشبهه على الغير لبلغت تلك المعجزة إلى حدالإلجاء.
أن تلامذة عيسى كانوا حاضرين، و كانواعالمين بكيفية الواقعة، و هم كانوا يزيلونذلك التلبيس.
أن الحاضرين في ذلك الوقت كانوا قليلين ودخول الشبهة على الجمع القليل جائز والتواتر إذا انتهى في آخر الأمر إلى الجمعالقليل لم يكن مفيداً للعلم.
إن بتقدير أن يكون الذي ألقي شبه عيسىعليه السلام عليه كان مسلماً و قبل ذلك عنعيسى جائز أن يسكت عن تعريف حقيقة الحال فيتلك الواقعة، و بالجملة فالأسئلة التيذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها منبعض الوجوه، و لما ثبت بالمعجز القاطع صدقمحمد صلّى الله عليه وسلّم في كل ما أخبرعنه امتنع صيرورة هذه الأسئلة المحتملةمعارضة للنص القاطع، و اللّه ولي الهداية.
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوافَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِيالدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْمِنْ ناصِرِينَ (56)
اعلم أنه تعالى لما ذكر إِلَيَّمَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْفِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [آلعمران: 55] بيّن بعد ذلك مفصلًا ما في ذلكالاختلاف، أما الاختلاف فهو أن كفر قوم وآمن آخرون، و أما الحكم فيمن كفر فهو أنيعذبه عذاباً شديداً في الدنيا و الآخرة،و أما الحكم فيمن آمن وعمل الصالحات، فهوأن يوفيهم أجورهم، و في الآية مسائل: