يخلق اللّه تعالى آدم من التراب فلم لايجوز أن يخلق عيسى من دم مريم؟ بل هذا أقربإلى العقل، فإن تولد الحيوان من الدم الذييجتمع في رحم الأم أقرب من تولده من التراباليابس، هذا تلخيص الكلام.
ثم ههنا مسائل:
مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِآدَمَ أي صفته كصفة آدم و نظيره قولهتعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَالْمُتَّقُونَ [الرعد: 35] أي صفة الجنة.
قوله تعالى: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ليسبصلة لآدم و لا صفة و لكنه خبر مستأنف علىجهة التفسير بحال آدم، قال الزجاج: هذا كماتقول في الكلام مثلك كمثل زيد، تريد أنتشبهه به في أمر من الأمور، ثم تخبر بقصةزيد فتقول فعل كذا و كذا.
اعلم أن العقل دل على أنه لا بد للناس منوالد أول، و إلا لزم أن يكون كل ولد مسبوقبوالد لا إلى أول و هو محال، و القرآن دلعلى أن ذلك الوالد الأول هو آدم عليهالسلام كما في هذه الآية، و قال:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوارَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْنَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهازَوْجَها [النساء: 1] و قال: هُوَ الَّذِيخَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها [الأعراف: 189] ثمإنه تعالى ذكر في كيفية خلق آدم عليهالسلام وجوهاً كثيرةأحدها: أنه مخلوق منالتراب كما في هذه الآيةو الثاني: أنهمخلوق من الماء، قال اللّه تعالى: وَ هُوَالَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراًفَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً [الفرقان:54] و الثالث: أنه مخلوق من الطين قال اللّهتعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍخَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِمِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْسُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ [السجدة: 7، 8] والرابع: أنه مخلوق من سلالة من طين قالتعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَمِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّجَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ[المؤمنون: 12، 13] الخامس: أنه مخلوق من طينلازب قال تعالى: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْطِينٍ لازِبٍ [الصافات: 11] السادس: إنهمخلوق من صلصال قال تعالى: إِنِّي خالِقٌبَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍمَسْنُونٍ [الحجر: 28] السابع: أنه مخلوق منعجل، قال تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْعَجَلٍ [الأنبياء: 37] الثامن: قال تعالى:لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ[البلد: 4] أما الحكماء فقالوا: إنما خلق آدمعليه السلام من تراب لوجوه: الأول: ليكونمتواضعاًالثاني: ليكون ستاراًالثالث:ليكون أشد التصاقاً بالأرض، و ذلك لأنهإنما خلق لخلافة أهل الأرض، قال تعالى:إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[البقرة: 30] الرابع: أراد إظهار القدرة فخلقالشياطين من النار التي هي أضوأ الأجرام وابتلاهم بظلمات الضلالة، و خلق الملائكةمن الهواء الذي هو ألطف الأجرام و أعطاهمكمال الشدة و القوة، و خلق آدم عليه السلاممن التراب الذي هو أكثف الأجرام، ثم أعطاهالمحبة و المعرفة و النور و الهداية، و خلقالسموات من أمواج مياه البحار و أبقاهامعلقة في الهواء حتى يكون خلقه هذهالأجرام برهاناً باهراً و دليلًا ظاهراًعلى أنه تعالى هو المدبر بغير احتياج، والخالق بلا مزاج و علاجالخامس:
خلق الإنسان من تراب ليكون مطفئاً لنارالشهوة، و الغضب، و الحرص، فإن هذهالنيران لا تطفأ إلا بالتراب و إنما خلقهمن الماء ليكون صافياً تتجلى فيه صورالأشياء، ثم إنه تعالى مزج بين الأرض والماء ليمتزج الكثيف فيصير طيناً و هوقوله إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ثمإنه في المرتبة الرابعة قال: وَ لَقَدْخَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍمِنْ طِينٍ و السلالة بمعنى المفعولةلأنها هي التي تسل من ألطف أجزاء الطين، ثمإنه في المرتبة السادسة أثبت له من الصفاتثلاثة أنواع: