مِنْ رَبِّكَ [هود: 17] مِنْ بَعْدِ ماجاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [البقرة: 145] بأنعيسى عبد اللّه و رسوله عليه السلام و ليسالمراد ههنا بالعلم نفس العلم لأن العلمالذي في قلبه لا يؤثر في ذلك، بل المرادبالعلم ما ذكره بالدلائل العقلية، والدلائل الواصلة إليه بالوحي و التنزيل،فقل تعالوا: أصله تعاليوا، لأنه تفاعلوامن العلو، فاستثقلت الضمة على الياء،فسكنت، ثم حذفت لاجتماع الساكنين، و أصلهالعلو و الارتفاع، فمعنى تعالى ارتفع، إلاأنه كثر في الاستعمال حتى صار لكل مجيء،و صار بمنزلة هلم.
هذه الآية دالة على أن الحسن و الحسينعليهما السلام كانا ابني رسول اللّه صلّىالله عليه وسلّم، وعد أن يدعو أبناءه،فدعا الحسن و الحسين، فوجب أن يكوناابنيه، و مما يؤكد هذا قوله تعالى في سورةالأنعام وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ [الأنعام: 84] إلى قوله وَزَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى[الأنعام: 85] و معلوم أن عيسى عليه السلامإنما انتسب إلى إبراهيم عليه السلام بالأملا بالأب، فثبت أن ابن البنت قد يسمى ابناًو اللّه أعلم.
كان في الري رجل يقال له: محمود بن الحسنالحمصي، و كان معلم الاثنى عشرية، و كانيزعم أن علياً رضي اللّه عنه أفضل من جميعالأنبياء سوى محمد عليه السلام، قال: والذي يدل عليه قوله تعالى: وَ أَنْفُسَناوَ أَنْفُسَكُمْ و ليس المراد بقوله وَأَنْفُسَنا نفس محمد صلّى الله عليه وسلّملأن الإنسان لا يدعو نفسه بل المراد بهغيره، و أجمعوا على أن ذلك الغير كان عليبن أبي طالب رضي اللّه عنه، فدلت الآية علىأن نفس علي هي نفس محمد، و لا يمكن أن يكونالمراد منه، أن هذه النفس هي عين تلكالنفس، فالمراد أن هذه النفس مثل تلكالنفس، و ذلك يقتضي الاستواء في جميعالوجوه، ترك العمل بهذا العموم في حقالنبوة، و في حق الفضل لقيام الدلائل علىأن محمداً عليه السلام كان نبياً و ما كانعلي كذلك، و لانعقاد الإجماع على أنمحمداً عليه السلام كان أفضل من علي رضياللّه عنه، فيبقى فيما وراءه معمولًا به،ثم الإجماع دل على أن محمداً عليه السلامكان أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلامفيلزم أن يكون علي أفضل من سائر الأنبياء،فهذا وجه الاستدلال بظاهر هذه الآية، ثمقال: و يؤيد الاستدلال بهذه الآية، الحديثالمقبول عند الموافق و المخالف، و هو قولهعليه السلام: «من أراد أن يرى آدم في علمه،و نوحاً في طاعته، و إبراهيم في خلته، وموسى في هيبته، و عيسى في صفوته، فلينظرإلى علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه»فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كانمتفرقاً فيهم، و ذلك يدل على أن علياً رضياللّه عنه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمدصلّى الله عليه وسلّم، و أما سائر الشيعةفقد كانوا قديماً و حديثاً يستدلون بهذهالآية على أن علياً رضي اللّه عنه مثل نفسمحمد عليه السلام إلا فيما خصه الدليل، وكان نفس محمد أفضل من الصحابة رضوان اللّهعليهم، فوجب أن يكون نفس علي أفضل أيضاً منسائر الصحابة، هذا تقدير كلام الشيعة، والجواب: أنه كما انعقد الإجماع بينالمسلمين على أن محمداً عليه السلام أفضلمن علي، فكذلك انعقد الإجماع بينهم قبلظهور هذا الإنسان، على أن النبي أفضل ممنليس بنبي، و أجمعوا على أن علياً رضي اللّهعنه ما كان نبياً، فلزم القطع بأن ظاهرالآية كما أنه مخصوص في حق محمد صلّى اللهعليه وسلّم، فكذلك مخصوص في حق سائرالأنبياء عليهم السلام.
قوله ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي نتباهل، كمايقال اقتتل القوم و تقاتلوا و اصطحبوا وتصاحبوا، و الابتهال فيه وجهانأحدهما:أن الابتهال هو الاجتهاد في الدعاء، و إنلم يكن باللعن، و لا يقال: ابتهل في الدعاءإلا إذا كان هناك اجتهادو الثاني: أنهمأخوذ من قولهم عليه بهلة اللّه، أي لعنتهو أصله مأخوذ مما يرجع