و قوله لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ معناهأنا متى ألقينا هذه الشبهة فلعل أصحابهيرجعون عن دينه.
الوجه الثاني: يحتمل أن يكون معنى الآيةأن رؤساء اليهود و النصارى قال بعضهم لبعضنافقوا و أظهروا الوفاق للمؤمنين، و لكنبشرط أن تثبتوا على دينكم إذا خلوتمبإخوانكم من أهل الكتاب، فإن أمر هؤلاءالمؤمنين في اضطراب فزجوا الأيام معهمبالنفاق فربما ضعف أمرهم و اضمحل دينهم ويرجعوا إلى دينكم، و هذا قول أبي مسلمالأصفهاني و يدل عليه وجهانالأول: أنهتعالى لما قال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّكَفَرُوا [النساء: 137] أتبعه بقوله بَشِّرِالْمُنافِقِينَ [النساء: 138] و هو بمنزلةقوله وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُواقالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلىشَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْإِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة:14] الثاني: أنه تعالى اتبع هذه الآية بقولهوَ لا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَدِينَكُمْ فهذا يدل على أنهم نهوا عن غيردينهم الذي كانوا عليه فكان قولهم آمَنُواوَجْهَ النَّهارِ أمر بالنفاق.
الوجه الثالث: قال الأصم: قال بعضهم لبعضإن كذبتموه في جميع ما جاء به فإن عوامكميعلمون كذبكم، لأن كثيرا مما جاء به حق ولكن صدقوه في بعض و كذبوه في بعض حتى يحملالناس تكذيبكم له على الإنصاف لا علىالعناد فيقبلوا قولكم.
الاحتمال الثاني: أن يكون قوله آمِنُوابِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَآمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُواآخِرَهُ بعض ما أنزل اللّه و القائلونبهذا القول حملوه على أمر القبلة و ذكروافيه وجهينالأول: قال ابن عباس: وجهالنهار أوله، و هو صلاة الصبح و اكفرواآخره: يعني صلاة الظهر و تقريره أنه صلّىالله عليه وسلّم كان يصلي إلى بيت المقدسبعد أن قدم المدينة ففرح اليهود بذلك وطمعوا أن يكون منهم، فلما حوله اللّه إلىالكعبة كان ذلك عند صلاة الظهر قال كعب بنالأشرف و غيره آمِنُوا بِالَّذِيأُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَالنَّهارِ يعني آمنوا بالقبلة التي صلّىإليها صلاة الصبح فهي الحق، و اكفروابالقبلة التي صلّى إليها صلاة الظهر، و هيآخر النهار، و هي الكفرالثاني: أنه لماحولت القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم،فقال بعضهم لبعض صلوا إلى الكعبة في أولالنهار، ثم اكفروا بهذه القبلة في آخرالنهار و صلوا إلى الصخرة لعلّهم يقولونإن أهل الكتاب أصحاب العلم فلولا أنهمعرفوا بطلان هذه القبلة لما تركوها فحينئذيرجعون عن هذه القبلة.
الفائدة في إخبار اللّه تعالى عن تواضعهمعلى هذه الحيلة من وجوهالأول: أن هذهالحيلة كانت مخفية فيما بينهم، و ماأطلعوا عليها أحداً من الأجانب، فلما أخبرالرسول عنها كان ذلك إخباراً عن الغيب،فيكون معجزاًالثاني: أنه تعالى لما أطلعالمؤمنين على تواطئهم على هذه الحيلة لميحصل لهذه الحيلة أثر في قلوب المؤمنين، ولو لا هذا الإعلان لكان ربما أثرت هذهالحيلة في قلب بعض من كان في إيمانهضعفالثالث: أن القوم لما افتضحوا في هذهالحيلة صار ذلك رادعاً لهم عن الإقدام علىأمثالها من الحيل و التلبيس.
وجه النهار هو أوله، و الوجه في اللغة هومستقبل كل شيء، لأنه أول ما يواجه منه،كما يقال لأول الثوب وجه الثوب، روى ثعلبعن ابن الأعرابي: أتيته بوجه نهار و صدرنهار، و شباب نهار، أي أول النهار، و أنشدالربيع بن زياد فقال: