يؤده إليك و نقلنا أيضاً أن الآية نزلت فيأن رجلًا أودع مالًا كثيراً عند عبد اللّهبن سلام، و مالًا قليلًا عند فنحاص بنعازوراء، فخان هذا اليهودي في القليل، وعبد اللّه بن سلام أدى الأمانة، فثبت أناللفظ محتمل لكل الأقسام.
ثم قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوالَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَسَبِيلٌ
و المعنى إن ذلك الاستحلال و الخيانة هوبسبب أنهم يقولون ليس علينا فيما أصبنا منأموال العرب سبيل. و ههنا مسائل:
ذكروا في السبب الذي لأجله اعتقد اليهودهذا الاستحلال وجوهاًالأول: أنهم مبالغونفي التعصب لدينهم، فلا جرم يقولون: يحل قتلالمخالف و يحل أخذ ماله بأي طريق كان و رويفي الخبر أنه لما نزلت هذه الآية قال عليهالسلام: «كذب أعداء اللّه ما من شيء كانفي الجاهلية إلا و هو تحت قدمي، إلاالأمانة فإنها مؤداة إلى البر و الفاجر»الثاني: أن اليهود قالوا نَحْنُ أَبْناءُاللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ [المائدة: 18] والخلق لنا عبيد فلا سبيل لأحد علينا إذاأكلنا اموال عبيدناالثالث: أن اليهود إنماذكروا هذا الكلام لا مطلقاً لكل منخالفهم، بل للعرب الذين آمنوا بالرسولصلّى الله عليه وسلّم، روي أن اليهودبايعوا رجالًا في الجاهلية فلما أسلمواطالبوهم بالأموال فقالوا: ليس لكم عليناحق لأنكم تركتم دينكم، و أقول: من المحتملأنه كان من مذهب اليهود أن من انتقل من دينباطل إلى دين آخر باطل كان في حكم المرتد،فهم و إن اعتقدوا أن العرب كفار إلا أنهملما اعتقدوا في الإسلام أنه كفر حكموا علىالعرب الذين أسلموا بالردة.
نفي السبيل المراد منه نفي القدرة علىالمطالبة و الإلزام. قال تعالى: ما عَلَىالْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة: 91] وقال: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُلِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَسَبِيلًا [النساء: 141] و قال: وَ لَمَنِانْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ماعَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَاالسَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَالنَّاسَ [الشورى: 41، 42].
(الأمي) منسوب إلى الأم، و سمي النبي صلّىالله عليه وسلّم أمياً قيل لأنه كان لايكتب و ذلك لأن الأم أصل الشيء فمن لايكتب فقد بقي على أصله في أن لا يكتب، وقيل: نسب إلى مكة و هي أم القرى.
ثم قال تعالى: وَ يَقُولُونَ عَلَىاللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ
و فيه وجوهالأول: أنهم قالوا: إن جوازالخيانة مع المخالف مذكور في التوراة وكانوا كاذبين في ذلك و عالمين بكونهمكاذبين فيه و من كان كذلك كانت خيانته أعظمو جرمه أفحشالثاني: أنهم يعلمون كونالخيانة محرمةالثالث: أنهم يعلمون ما علىالخائن من الإثم.
ثم قال تعالى: بَلى مَنْ أَوْفىبِعَهْدِهِ وَ اتَّقى فَإِنَّ اللَّهَيُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.
اعلم أن في بَلى وجهينأحدهما: أنهلمجرد نفي ما قبله، و هو قوله لَيْسَعَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌفقال اللّه تعالى راداً عليهم بَلىعليهم سبيل في ذلك و هذا اختيار الزجاج،قال: و عندي وقف التمام على (بلى) و بعدهاستئنافو الثاني: أن كلمة (بلى) كلمة تذكرابتداء لكلام آخر يذكر بعده، و ذلك لأنقولهم:
ليس علينا فيما نفعل جناح قائم مقامقولهم: نحن أحباء اللّه تعالى، فذكر اللّهتعالى أن أهل الوفاء بالعهد و التقى همالذين يحبهم اللّه تعالى لا غيرهم، و علىهذا الوجه فإنه لا يحسن الوقف على (بلى) وقوله مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مضى الكلامفي معنى الوفاء بالعهد و الضمير فيبِعَهْدِهِ يجوز أن يعود على اسم اللَّهَفي قوله