أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم و كتبوابأيديهم غيره و حلفوا بأنه من عند اللّهلئلا يفوتهم الرشا، و احتج هؤلاء بقولهتعالى في سورة البقرة أَوْفُوا بِعَهْدِيأُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة: 40] الثاني:أنها نزلت في ادعائهم أنه لَيْسَ عَلَيْنافِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران: 75]كتبوا بأيديهم كتاباً في ذلك و حلفوا أنهمن عند اللّه و هو قول الحسن.
و أما الاحتمال الثاني: ففيه وجوهالأول:أنها نزلت في الأشعث بن قيس، و خصم له فيأرض، اختصما إلى رسول اللّه صلّى اللهعليه وسلّم، فقال للرجل: «أقم بيّنتك»فقال الرجل: ليس لي بينة فقال للأشعث«فعليك اليمين» فهم الأشعث باليمين فأنزلاللّه تعالى هذه الآية فنكل الأشعث عناليمين ورد الأرض إلى الخصم و اعترفبالحق، و هو قول ابن جريجالثاني: قالمجاهد: نزلت في رجل حلف يميناً فاجرة فيتنفيق سلعتهالثالث: نزلت في عبدان وامرىء القيس اختصما إلى الرسول صلّىالله عليه وسلّم في أرض، فتوجه اليمين علىامرىء القيس، فقال: أنظرني إلى الغد، ثمجاء من الغد و أقر له بالأرض، و الأقربالحمل على الكل.
فقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَبِعَهْدِ اللَّهِ يدخل فيه جميع ما أمراللّه به و يدخل فيه ما نصب عليه الأدلة ويدخل فيه المواثيق المأخوذة من جهةالرسول، و يدخل فيه ما يلزم الرجل نفسه،لأن كل ذلك من عهد اللّه الذي يلزم الوفاءبه.
قال تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَاللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِلَنَصَّدَّقَنَّ [التوبة: 75] الآية و قال:وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَكانَ مَسْؤُلًا [الإسراء: 34] و قال:يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان: 7] و قال:مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ماعاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] وقد ذكرنا في سورة البقرة معنى الشراء، وذلك لأن المشتري يأخذ شيئاً و يعطي شيئاًفكل واحد من المعطى و المأخوذ ثمن للآخر، وأما الأيمان فحالها معلوم و هي الحلف التييؤكد بها الإنسان خبره من وعد، أو وعيد، أوإنكار، أو إثبات.
ثم قال تعالى: أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْفِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُاللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْيَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْوَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و اعلم أنهتعالى فرع على ذلك الشرط و هو الشراء بعهداللّه و الأيمان ثمنا قليلًا، خمسة أنواعمن الجزاء أربعة منها في بيان صيرورتهممحرومين عن الثواب و الخامس في بيانوقوعهم في أشد العذاب، أما المنع منالثواب فاعلم أن الثواب عبارة عن المنفعةالخالصة المقرونة بالتعظيم.
فالأول: و هو قوله أُولئِكَ لا خَلاقَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إشارة إلى حرمانهمعن منافع الآخرة.
و أما الثلاثة الباقية: و هي قوله لايُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُإِلَيْهِمْ ... وَ لا يُزَكِّيهِمْ فهوإشارة إلى حرمانهم عن التعظيم و الإعزاز.
و أما الخامس: و هو قوله وَ لَهُمْ عَذابٌأَلِيمٌ فهو إشارة إلى العقاب، و لما نبهتلهذا الترتيب فلنتكلم في شرح كل واحد منهذه الخمسة:
أما الأول: و هو قوله لا خَلاقَ لَهُمْ فِيالْآخِرَةِ فالمعنى لا نصيب لهم في خيرالآخرة و نعيمها و اعلم أن هذا العموممشروط بإجماع الأمة بعدم التوبة، فإنه إنتاب عنها سقط الوعيد بالإجماع و علىمذهبنا مشروط أيضاً بعدم العفو فإنه تعالىقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْيُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَلِمَنْ يَشاءُ [النساء: 48].
و أما الثاني: و هو قوله وَ لايُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ففيه سؤال، و هوأنه تعالى قال: فَوَ رَبِّكَلَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّاكانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر: 92، 93] و قال:فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَإِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّالْمُرْسَلِينَ [الأعراف: 6] فكيف