إذا عرفت هذا الأصل ففي تأويل الآيةوجوهالأول: قال القفال رحمه اللّه قولهيَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ معناه و أنيعمدوا إلى اللفظة فيحرفونها في حركاتالإعراب تحريفاً يتغير به المعنى، و هذاكثير في لسان العرب فلا يبعد مثله فيالعبرانية، فلما فعلوا مثل ذلك في الآياتالدالة على نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام من التوراة كان ذلك هو المراد منقوله تعالى: يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ وهذا تأويل في غاية الحسنالثاني: نقل عنابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال: إنالنفر الذين لا يكلمهم اللّه يوم القيامةو لا ينظر إليهم كتبوا كتاباً شوشوا فيهنعت محمد صلّى الله عليه وسلّم و خلطوهبالكتاب الذي كان فيه نعت محمد صلّى اللهعليه وسلّم ثم قالوا هذا مِنْ عِنْدِاللَّهِ.
إذا عرفت هذا فنقول: إن لي اللسان تثنيهبالتشدق و التنطع و التكلف و ذلك مذمومفعبّر اللّه تعالى عن قراءتهم لذلك الكتابالباطل بلى اللسان ذماً لهم و عيباً و لميعبر عنها بالقراءة، و العرب تفرق بينألفاظ المدح و الذم في الشيء الواحد،فيقولون في المدح: خطيب مصقع، و في الذم:مكثار ثرثار.
فقوله وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاًيَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِالمراد قراءة ذلك الكتاب الباطل، و هوالذي ذكره اللّه تعالى في قوله فَوَيْلٌلِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَبِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْعِنْدِ اللَّهِ [البقرة: 79] ثم قال: وَ ماهُوَ مِنَ الْكِتابِ أي و ما هو الكتابالحق المنزّل من عند اللّه، بقي ههناسؤالان:
الجواب: إلى ما دل عليه قوله يَلْوُونَأَلْسِنَتَهُمْ و هو المحرّف.
الجواب: لعله صدر هذا العمل عن نفر قليل،يجوز عليهم التواطؤ على التحريف، ثم إنهمعرضوا ذلك المحرف على بعض العوام و على هذاالتقدير يكون هذا التحريف ممكنا، و الأصوبعندي في تفسير الآية وجه آخر و هو أنالآيات الدالة على نبوّة محمد صلّى اللهعليه وسلّم كان يحتاج فيها إلى تدقيقالنظر و تأمل القلب، و القوم كانوا يوردونعليها الأسئلة المشوشة و الاعتراضاتالمظلمة فكانت تصير تلك الدلائل مشتبهةعلى السامعين، و اليهود كانوا يقولون:
مراد اللّه من هذه الآيات ما ذكرناه لا ماذكرتم، فكان هذا هو المراد بالتحريف و بليالألسنة و هذا مثل ما أن المحق في زمانناإذا استدل بآية من كتاب اللّه تعالى،فالمبطل يورد عليه الأسئلة و الشبهات ويقول: ليس مراد اللّه ما ذكرت، فكذا في هذهالصورة.
ثم قال تعالى: وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْعِنْدِ اللَّهِ و اعلم أن من الناس من قال:إنه لا فرق بين قوله لِتَحْسَبُوهُ مِنَالْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وبين قوله وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِاللَّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ[آل عمران: 78] و كرر هذا الكلام بلفظينمختلفين لأجل التأكيد، أما المحققونفقالوا: المغايرة حاصلة، و ذلك لأنه ليس كلما لم يكن في الكتاب لم يكن من عند اللّه،فإن الحكم الشرعي قد ثبت تارة بالكتاب، وتارة بالسنة، و تارة بالإجماع، و تارةبالقياس و الكل من عند اللّه.
فقوله لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ هذا نفي خاص، ثمعطف عليه النفي العام فقال:
وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِوَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ و أيضاًيجوز أن يكون المراد من الكتاب التوراة، ويكون المراد من قولهم: هو من عند اللّه،أنه موجود في كتب سائر الأنبياء عليهمالصلاة و السلام مثل أشعياء، و أرمياء، وحيقوق،