تحمل الآية الأولى على العرف الشرعي، والآية الثانية على الوضع اللغوي.
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماًكَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُواأَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُالْبَيِّناتُ وَ اللَّهُ لا يَهْدِيالْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَجَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِأَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لايُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْيُنْظَرُونَ (88) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوامِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّاللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)
اعلم أنه تعالى لما عظم أمر الإسلام والإيمان بقوله وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَالْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَمِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَالْخاسِرِينَ [آل عمران: 85] أكد ذلكالتعظيم بأن بيّن وعيد من ترك الإسلام،فقال:
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماًكَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ و في الآيةمسائل:
في سبب النزول أقوالالأول: قال ابن عباسرضي اللّه عنهما: نزلت هذه الآية في عشرةرهط كانوا آمنوا ثم ارتدوا و لحقوا بمكة ثمأخذوا يتربصون به ريب المنون فأنزل اللّهتعالى فيهم هذه الآية، و كان فيهم من تابفاستثنى التائب منهم بقوله إِلَّاالَّذِينَ تابُوا الثاني: نقل أيضاً عنابن عباس أنه قال: نزلت في يهود قريظة والنضير و من دان بدينهم كفروا بالنبي صلّىالله عليه وسلّم بعد أن كانوا مؤمنين قبلمبعثه، و كانوا يشهدون له بالنبوّة، فلمابعث و جاءهم بالبينات و المعجزات كفروابغياً و حسداًو الثالث: نزلت في الحرث بنسويد و هو رجل من الأنصار حين ندم على ردتهفأرسل إلى قوله أن اسألوا لي هل لي منتوبة؟ فأرسل إليه أخوه بالآية، فأقبل إلىالمدينة و تاب على يد الرسول صلّى اللهعليه وسلّم و قبل الرسول صلّى الله عليهوسلّم توبته، قال القفال رحمه اللّه:للناس في هذه الآية قولان: منهم من قال إنقوله تعالى: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَالْإِسْلامِ دِيناً [آل عمران: 85] و ما بعدهمن قوله كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماًكَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ [آل عمران: 86-90] نزل جميع ذلك في قصة واحدة، و منهم منجعل ابتداء القصة من قوله إِنَّ الَّذِينَكَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ [آلعمران: 90] ثم على التقديرين ففيها أيضاًقولانأحدهما: أنها في أهل الكتابوالثاني: أنها في قوم مرتدين عن الإسلامآمنوا ثم ارتدوا على ما شرحناه.
اختلف العقلاء في تفسير قوله كَيْفَيَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَإِيمانِهِمْ أما المعتزلة فقالوا: إنأصولنا تشهد بأنه تعالى هدى جميع الخلقإلى الدين بمعنى التعريف، و وضع الدلائل وفعل الألطاف، إذ لو يعم الكل بهذه الأشياءلصار الكافر و الضال معذوراً، ثم إنهتعالى حكم بأنه لم يهد هؤلاء الكفار، فلابد من تفسير هذه الهداية بشيء آخر سوىنصب الدلائل، ثم ذكروا فيه وجوهاًالأول:المراد من هذه الآية منع الألطاف التييؤتيها المؤمنين ثوابا لهم على إيمانهمكما قال تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوافِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا[العنكبوت: 69] و قال تعالى: وَ يَزِيدُاللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً[مريم: 76] و قال تعالى: وَ الَّذِينَاهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد: 17] و قال:يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَرِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ [المائدة: 16]فدلت هذه الآيات على أن المهتدي قد يزيدهاللّه هدىالثاني: أن المراد أن اللّهتعالى لا يهديهم إلى الجنة قال تعالى:إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوالَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْوَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّاطَرِيقَ جَهَنَّمَ [النساء: 168،