الذين يخلفون في البيت، فلا يبرحون، والثانى: أن الخالفين مفسر بالمخالفين. قالالفراء يقال عبد خالف و صاحب خالف إذا كانمخالفا. و قال الأخفش: فلان خالفة أهل بيتهإذا كان مخالفا لهم. و قال الليث هذا الرجلخالفة، أى مخالف كثير الخلاف، و قومخالفون، فإذا جمعت قلت الخالفون.
الخالف هو الفاسد. قالالأصمعي: يقال: خلف عن كل خير يخلف خلوفاإذا فسد، و خلف اللبن و خلف النبيذ إذا فسد.
و إذا عرفت هذه الوجوه الثلاثة: فلا شك أناللفظ يصلح حمله على كل واحد منها، لأنأولئك المنافقين كانوا موصوفين بجميع هذهالصفات.
و اعلم أن هذه الآية تدل على أن الرجل إذاظهر له من بعض متعلقيه مكر و خداع و كيد ورآه مشددا فيه مبالغا في تقرير موجباته،فإنه يجب عليه أن يقطع العلقة بينه و بينه،و أن يحترز عن مصاحبته.
وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلىقَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِوَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ(84)
اعلم أنه تعالى أمر رسوله بأن يسعى فيتخذيلهم و إهانتهم و إذلالهم، فالذي سبقذكره في الآية الأولى و هو منعهم من الخروجمعه إلى الغزوات سبب قوي من أسباب إذلالهمو إهانتهم، و هذا الذي ذكره في هذه الآية،و هو منع الرسول من أن يصلي على من ماتمنهم، سبب آخر قوي في إذلالهم و تخذيلهم.عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه لما اشتكىعبد اللّه بن أبي بن سلول عاده رسول اللّهصلّى الله عليه وسلّم، فطلب منه أن يصليعليه إذا مات و يقوم على قبره، ثم إنه أرسلإلى الرسول عليه الصلاة و السلام يطلب منهقميصه ليكفن فيه، فأرسل إليه القميصالفوقاني فرده و طلب الذي يلي جلده ليكفنفيه، فقال عمر رضي اللّه عنه: لم تعطيقميصك الرجس النجس؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «إن قميصي لا يغني عنه من اللّهشيئا فلعل اللّه أن يدخل به ألفا فيالإسلام» و كان المنافقون لا يفارقون عبداللّه، فلما رأوه يطلب هذا القميص و يرجوأن ينفعه، أسلم منهم يومئذ ألف. فلما ماتجاء ابنه يعرفه فقال عليه الصلاة و السلاملابنه: «صل عليه و ادفنه» فقال: إن لم تصلعليه يا رسول اللّه لم يصل عليه مسلم، فقامعليه الصلاة و السلام ليصلي عليه، فقامعمر فحال بين رسول اللّه و بين القبلة لئلايصلي عليه، فنزلت هذه الآية. و أخذ جبريلعليه السلام بثوبه و قال: وَ لا تُصَلِّعَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً واعلم أن هذا يدل على منقبة عظيمة من مناقبعمر رضي اللّه عنه، و ذلك لأن الوحي نزلعلى وفق قوله في آيات كثيرة منها آية أخذالفداء عن أسارى بدر و قد سبق شرحه. وثانيها: آية تحريم الخمر. و ثالثها: آيةتحويل القبلة. و رابعها: آية أمر النسوانبالحجاب. و خامسها: هذه الآية. فصار نزولالوحي على مطابقة قول عمر رضي اللّه عنهمنصبا عاليا و درجة رفيعة له في الدين.فلهذا قال عليه الصلاة و السلام في حقه:«لو لم أبعث لبعثت يا عمر نبيا».
فإن قيل: كيف يجوز أن يقال إن الرسول رغبفي أن يصلي عليه بعد أن علم كونه كافرا و قدمات على كفره، و أن صلاة الرسول عليه تجريمجرى الإجلال و التعظيم له، و أيضا إذا صلىعليه فقد دعا له، و ذلك محظور، لأنه تعالىأعلمه أنه لا يغفر للكفار ألبتة، و أيضادفع القميص إليه يوجب إعزازه؟