مفاتیح الشرائع جلد 16
لطفا منتظر باشید ...
و الجواب: لعل السبب فيه أنه لما طلب منالرسول أن يرسل إليه قميصه الذي مس جلدهليدفن فيه، غلب على ظن الرسول عليه الصلاةو السلام أنه انتقل إلى الإيمان، لأن ذلكالوقت وقت يتوب فيه الفاجر و يؤمن فيهالكافر، فلما رأى منه إظهار الإسلام وشاهد منه هذه الإمارة التي دلت على دخولهفي الإسلام، غلب على ظنه أنه صار مسلما،فبنى على هذا الظن و رغب في أن يصلي عليه،فلما نزل جبريل عليه السلام و أخبره بأنهمات على كفره و نفاقه، امتنع من الصلاةعليه. و أما دفع القميص إليه فذكروا فيهوجوها: الأول: أن العباس عم رسول اللّهصلّى الله عليه وسلّم لما أخذ أسيرا ببدر،لم يجدوا له قميصا، و كان رجلا طويلا،فكساه عبد اللّه قميصه.
الثاني: أن المشركين قالوا له يومالحديبية، إنا لاننقاد لمحمد و لكنا ننقادلك، فقال لا، إن لي في رسول اللّه أسوةحسنة، فشكر رسول اللّه له ذلك. و الثالث: أناللّه تعالى أمره أن لا يرد سائلا بقوله:وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ[الضحى: 10] فلما طلب القميص منه دفعه إليهلهذا المعنى. الرابع: أن منع القميص لايليق بأهل الكرم. الخامس: أن ابنه عبداللّه بن عبد اللّه بن أبي، كان منالصالحين، و أن الرسول أكرمه لمكان ابنه.
السادس: لعل اللّه تعالى أوحى إليه أنكإذا دفعت قميصك إليه صار ذلك حاملا لألفنفر من المنافقين في الدخول في الإسلامففعل ذلك لهذا الغرض، و روي أنهم لماشاهدوا ذلك أسلم ألف من المنافقين. السابع:أن الرحمة و الرأفة كانت غالبة عليه كماقال: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةًلِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107] و قال: فَبِمارَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آلعمران: 159] فامتنع من الصلاة عليه رعايةلأمر اللّه تعالى، و دفع إليه القميصلإظهار الرحمة و الرأفة.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: وَ لا تُصَلِّعَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً قالالواحدي: ماتَ في موضع جر لأنه صفة للنكرةكأنه قيل على أحد منهم ميت و قوله: أَبَداًمتعلق بقوله: أَحَدٍ و التقدير و لا تصلأبدا على أحد منهم. و اعلم أن قوله: و لا تصلأبدا يحتمل تأبيد النفي و يحتمل تأبيدالمنفي، و المقصود هو الأول، لأن قرائنهذه الآيات دالة على أن المقصود منعه من أنيصلي على أحد منهم منعا كليا دائما.
ثم قال تعالى: وَ لا تَقُمْ عَلىقَبْرِهِ و فيه وجهان: الأول: قال الزجاج:كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إذادفن الميت وقف على قبره و دعا له، فمنعههنا منه. الثاني: قال الكلبي لا تقمبإصلاح مهمات قبره، و هو من قولهم، قامفلان بأمر فلان إذا كفاه أمره و تولاه، ثمإنه تعالى علل المنع من الصلاة عليه والقيام على قبره بقوله: إِنَّهُمْكَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ و فيه سؤالات:
السؤال الأول:
الفسق أدنى حالا من الكفر،و لما ذكر في تعليل هذا النهي كونه كافرافما الفائدة في وصفه بعد ذلك بكونه فاسقا؟
و الجواب أن الكافر قد يكون عدلا في دينه.و قد يكون فاسقا في دينه خبيثا ممقوتا عندقومه، و الكذب و النفاق و الخداع و المكر والكيد، أمر مستقبح في جميع الأديان،فالمنافقون لما كانوا موصوفين بهذهالصفات وصفهم اللّه تعالى بالفسق بعد أنوصفهم بالكفر، تنبيها على أن طريقة النفاقطريقة مذمومة عند كل أهل العالم.
السؤال الثاني:
أليس أن المنافق يصلى عليهإذا أظهر الإيمان مع قيام الكفر فيه؟