مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 16 -صفحه : 177/ 121
نمايش فراداده

قلنا: في وصفه تعالى بكونه: عالِمِالْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ما يدل على كونهمطلعا على بواطنهم الخبيثة و ضمائرهمالمملوءة من الكذب و الكيد، و فيه تخويفشديد، و زجر عظيم لهم.

[سورة التوبة (9): الآيات 95 الى 96]

سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَاانْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواعَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْإِنَّهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْواهُمْجَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوايَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْلِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْاعَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى‏عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96)

اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم في الآيةالأولى أنهم يعتذرون، ذكر في هذه الآيةأنهم كانوا يؤكدون تلك الأعذار بالإيمانالكاذبة.

أما قوله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِلَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْلِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فاعلم أن هذاالكلام يدل على أنهم حلفوا باللّه، و لميدل على أنهم على أي شي‏ء حلفوا؟ فقيل:إنهم حلفوا على أنهم ما قدروا على الخروج،و إنما حلفوا على ذلك لتعرضوا عنهم أيلتصفحوا عنهم، و لتعرضوا عن ذمهم.

ثم قال تعالى: فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ قالابن عباس رضي اللّه عنهما: يريد ترك الكلامو السلام. قال مقاتل: قال النبي صلّى اللهعليه وسلّم حين قدم المدينة: «لا تجالسوهمو لا تكلموهم» قال أهل المعاني: هؤلاءطلبوا إعراض الصفح، فأعطوا إعراض المقت،ثم ذكر العلة في وجوب الإعراض عنهم، فقال:إِنَّهُمْ رِجْسٌ و المعنى: أن خبث باطنهمرجس روحاني، فكما يجب الاحتراز عن الأرجاسالجسمانية، فوجوب الاحتراز عن الأرجاسالروحانية أولى، خوفا من سريانها إلىالإنسان، و حذرا من أن يميل طبع الإنسانإلى تلك الأعمال.

ثم قال تعالى: وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُجَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ و معناهظاهر، و لما بين في الآية أنهم يحلفونباللّه ليعرض المسلمون عن إيذائهم، بينأيضا أنهم يحلفون ليرضى المسلمون عنهم، ثمإنه تعالى نهى المسلمين عن أن يرضوا عنهم،فقال: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّاللَّهَ لا يَرْضى‏ عَنِ الْقَوْمِالْفاسِقِينَ و المعنى: أنكم إن رضيتمعنهم مع أن اللّه لا يرضى عنهم، كانتإرادتكم مخالفة لإرادة اللّه، و أن ذلك لايجوز. و أقول: إن هذه المعاني مذكورة فيالآيات السالفة، و قد أعادها اللّه ههنامرة أخرى، و أظن أن الأول خطاب معالمنافقين الذين كانوا في المدينة، و هذاخطاب مع المنافقين من الأعراب و أصحابالبوادي، و لما كانت طرق المنافقينمتقاربة سواء كانوا من أهل الحضر أو من أهلالبادية، لا جرم كان الكلام معهم علىمناهج متقاربة.

[سورة التوبة (9): الآيات 97 الى 98]

الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاًوَ أَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَ مِنَالْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُمَغْرَماً وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُالدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُالسَّوْءِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)

[في قوله تعالى الْأَعْرابُ أَشَدُّكُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلَّايَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُعَلى‏ رَسُولِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌحَكِيمٌ‏]

اعلم أن هذه الآية تدل على صحة ما ذكرنا منأنه تعالى إنما أعاد هذه الأحكام، لأنالمقصود منها مخاطبة منافقي الأعراب، ولهذا السبب بين أن كفرهم و نفاقهم أشد وجهلهم بحدود ما أنزل اللّه أكمل،

و في الآية مسائل: