قوله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُسَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ
و العقل أيضا دل عليه، و هو أنه لو كانحصول ذلك الداعي في القلب من جهة العبد،لتوقف على حصول داع آخر ولزم التسلسل، و هومحال.
ثم قال تعالى: وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْتَرَوْها
و اعلم أن هذا هو الأمر الثاني الذي فعلهاللّه في ذلك اليوم، و لا خلاف أن المرادإنزال الملائكة، و ليس في الظاهر ما يدلعلى عدد الملائكة كما هو مذكور في قصة بدر،و قال سعيد بن جبير: أمد اللّه نبيه بخمسةآلاف من الملائكة ولعله إنما ذكر هذاالعدد قياساً على يوم بدر، و قال سعيد بنالمسيب: حدثني رجل كان في المشركين يومحنين قال: لما كشفنا المسلمين جعلنانسوقهم، فلما انتهينا إلى صاحب البغلةالشهباء، تلقانا رجال بيض الوجوه حسان،فقالوا شاهت الوجوه ارجعوا فرجعنا فركبواأكتافنا، و أيضا اختلفوا أن الملائكة هلقاتلوا ذلك اليوم؟ و الرواية التي نقلناهاعن سعيد بن المسيب تدل على أنهم قاتلوا ومنهم من قال إن الملائكة ما قاتلوا إلا يومبدر و أما فائدة نزولهم في هذا اليوم فهوإلقاء الخواطر الحسنة في قلوب المؤمنين.
ثم قال تعالى: وَ عَذَّبَ الَّذِينَكَفَرُوا
و هذا هو الأمر الثالث الذي فعله رسولاللّه صلّى الله عليه وسلّم في ذلك اليوم،و المراد من هذا التعذيب قتلهم و أسرهم وأخذ أموالهم و سبي ذراريهم. و احتج أصحابنابهذا على أن فعل العبد خلق اللّه، لأنالمراد من التعذيب ليس إلا الأخذ و الأسروهو تعالى نسب تلك الأشياء إلى نفسه و قدبينا أن قوله: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُسَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ يدل على ذلكفصار مجموع هذين الكلامين دليلا بيناثابتا، و في هذه المسألة قالت المعتزلة:إنما نسب تعالى ذلك الفعل إلى نفسه لأنهحصل بأمره، و قد سبق جوابه غير مرة.
ثم قال: وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ
و المراد أن ذلك التعذيب هو جزاءالكافرين، و اعلم أن أهل الحقيقة تمسكوافي مسألة الجلد مع التعزير بقوله:الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا[النور: 2] قالوا الفاء تدل على كون الجلدجزاء، و الجزاء اسم للكافي، و كون الجلدكافيا يمنع كون غيره مشروعا معه فنقول: فيالجواب عنه الجزاء ليس اسما للكافي، و ذلكباعتبار أنه تعالى سمى هذا التعذيب جزاء،مع أن المسلمين أجمعوا على أن العقوبةالدائمة في القيامة مدخرة لهم، فدلت هذهالآية على أن الجزاء ليس اسما لما يقع بهالكفاية.
ثم قال اللّه تعالى: ثُمَّ يَتُوبُاللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْيَشاءُ
يعني أن مع كل ما جرى عليهم من الخذلان فإناللّه تعالى قد يتوب عليهم. قال أصحابنا:إنه تعالى قد يتوب على تعضهم بأن يزيل عنقلبه الكفر و يخلق فيه الإسلام. قالالقاضي: معناه فإنهم بعد أن جرى عليهم ماجرى، إذا أسلموا و تابوا فإن اللّه تعالىيقبل توبتهم، و هذا ضعيف لأن قوله تعالى:ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ ظاهره يدل على أنتلك التوبة إنما حصلت لهم من قبل اللّهتعالى و تمام الكلام في هذا المعنى مذكورفي سورة البقرة في قوله: فَتابَ عَلَيْهِ[البقرة: 37]
ثم قال: وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
أي غفور لمن تاب، رحيم لمن آمن و عملصالحا. و اللّه أعلم.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَاالْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُواالْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْهذا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَيُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْشاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
[في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌفَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَبَعْدَ عامِهِمْ هذا]
و في الآية مسائل:
و ذلك لأنه صلّى الله عليه وسلّم لما أمرعليا