المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى ذكر فيالآية المتقدمة أنه يجب الإعراض عن مخالطةالآباء و الأبناء
و الأخوان و العشائر و عن الأموال والتجارات و المساكن، رعاية لمصالح الدين،و لما علم اللّه تعالى أن هذا يشق جدا علىالنفوس و القلوب، ذكر ما يدل على أن من تركالدنيا لأجل الدين فإنه يوصله إلى مطلوبهمن الدنيا أيضا، و ضرب تعالى لهذا مثلا، وذلك أن عسكر رسول اللّه صلّى الله عليهوسلّم في واقعة حنين كانوا في غاية الكثرةو القوة، فلما أعجبوا بكثرتهم صاروامنهزمين، ثم في حال الانهزام لما تضرعواإلى اللّه قواهم حتى هزموا عسكر الكفار، وذلك يدل على أن الإنسان متى اعتمد علىالدنيا فاته الدين و الدنيا، و متى أطاعاللّه و رجح الدين على الدنيا آتاه اللّهالدين و الدنيا على أحسن الوجوه، فكان ذكرهذا تسلية لأولئك الذين أمرهم اللّهبمقاطعة الآباء و الأبناء و الأموال والمساكن، لأجل مصلحة الدين و تصبيرا لهمعليها، و وعدا لهم على سبيل الرمز بأنهم إنفعلوا ذلك فاللّه تعالى يوصلهم إلىأقاربهم و أموالهم و مساكنهم على أحسنالوجوه، هذا تقرير النظم و هو في غايةالحسن.
المسألة الثانية: قال الواحدي: النصر:المعونة على العدو خاصة،
و المواطن جمع موطن، و هو كل موضع أقام بهالإنسان لأمر، فعلى هذا: مواطن الحربمقاماتها مواقفها و امتناعها من الصرفلأنه جمع على صيغة لم يأت عليها واحد، والمواطن الكثيرة غزوات رسول اللّه. و يقال:إنها ثمانون موطنا، فأعلمهم اللّه تعالىبأنه هو الذي نصر المؤمنين، و من نصرهاللّه فلا غالب له.ثم قال: وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْأَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ أي و اذكروايوم حنين من جملة تلك المواطن حال ماأعجبتكم كثرتكم.
المسألة الثالثة: [في شأن نزول الآية]
لما فتح رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّممكة، و قد بقيت أيام من شهر رمضان، خرجمتوجها إلى حنين