فَلْيَضْحَكُوا مع قوله: وَ أَنَّهُ هُوَأَضْحَكَ وَ أَبْكى و قوله: كَماأَخْرَجَكَ رَبُّكَ مع قوله: إِذْأَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا و قوله:هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ مع قوله: قُلْسِيرُوا و الثاني: المراد تاب اللّه عليهمفي الماضي ليكون ذلك داعيا لهم إلى التوبةفي المستقبل. و الثالث: أصل التوبة الرجوع،فالمراد ثم تاب عليهم ليرجعوا إلى حالهم وعادتهم في الاختلاط بالمؤمنين، و زوالالمباينة فتسكن نفوسهم عند ذلك. الرابع:ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا أيليدوموا على التوبة، و لا يراجعوا مايبطلها. الخامس: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْلينتفعوا بالتوبة و يتوفر عليهم ثوابها وهذان النفعان لا يحصلان إلا بعد توبةاللّه عليهم.
قالوا: لأن شرائط التوبة في حق هؤلاء قدحصلت من أول الأمر. ثم إنه عليه الصلاة والسلام ما قبلهم و لم يلتفت إليهم و تركهممدة خمسين يوما أو أكثر، و لو كان قبولالتوبة واجبا عقلا لما جاز ذلك.
أجاب الجبائي عنه بأن قال: يقال إن تلكالتوبة صارت مقبولة من أول الأمر، لكنهيقال: أراد تشديد التكليف عليهم لئلايتجرأ أحد على التخلف عن الرسول فيما يأمربه من جهاد و غيره. و أيضا لم يكن نهيه عليهالصلاة و السلام عن كلامهم عقوبة، بل كانعلى سبيل التشديد في التكليف. قال القاضي:و إنما خص الرسول عليه الصلاة و السلامهؤلاء الثلاثة بهذا التشديد، لأنهمأذعنوا بالحق و اعترفوا بالذنب، فالذييجري عليهم، و هذه حالهم يكون في الزجرأبلغ مما يجري على من يظهر العذر منالمنافقين.
و الجواب: أنا متمسكون بظاهر قوله تعالى:ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ و كلمة (ثم)للتراخي، فمقتضى هذا اللفظ تأخير قبولالتوبة، فإن حملتم ذلك على تأخير إظهارهذا القبول كان ذلك عدولا عن الظاهر من غيردليل.
فإن قالوا: الموجب لهذا العدول قولهتعالى: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُالتَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ.
قلنا: صيغة يقبل للمستقبل، و هو لا يفيدالفور أصلا بالإجماع، ثم إنه تعالى ختمالآية بقوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَالتَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
و اعلم أن ذكر الرحيم عقيب ذكر التواب،يدل على أن قبول التوبة لأجل محض الرحمة والكرم، لا لأجل الوجوب، و ذلك يقوي قولنافي أنه لا يجب عقلا على اللّه قبول التوبة.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوااللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)
و اعلم أنه تعالى لما حكم بقبول توبةهؤلاء الثلاثة، ذكر ما يكون كالزاجر عنفعل ما مضى، و هو التخلف عن رسول اللّهصلّى الله عليه وسلّم في الجهاد فقال: ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوااللَّهَ في مخالفة أمر الرسول وَ كُونُوامَعَ الصَّادِقِينَ يعني مع الرسول وأصحابه في الغزوات، و لا تكونوا متخلفينعنها و جالسين مع المنافقين في البيوت،
و في الآية مسائل:
و متى وجب الكون مع الصادقين فلا بد منوجود الصادقين في كل وقت، و ذلك يمنع منإطباق الكل على الباطل، و متى امتنع إطباقالكل على الباطل، وجب إذا أطبقوا على شيءأن يكونوا محقين. فهذا يدل على أن إجماعالأمة حجة.