و اللواط و سائر القبائح إنما حصلت بأقداراللَّه تعالى و تيسيره، ثم لا يجوز أنيقال: يا مسهل الزنا و اللواط، و يا دافعالموانع عنها، فكذا هنا، أما قوله إنالمراد إذن الأقدار فنقول هذا صرف للكلامعن ظاهره، و ذلك لا يجوز إلا لدليل قاهر، والدليل القاهر من جانبنا ههنا، فإن الفعللا يصدر إلا عند الداعية الحاصلة، و حصولتلك الداعية ليس إلا من اللَّه تعالى.
و ثانيها: قوله تعالى: وَ يُخْزِهِمْ
معناه: ما ينزل بهم من الذل و الهوان حيثشاهدوا أنفسهم مقهورين في أيدي المؤمنينذليلين مهينين. قال الواحدي: قوله: وَيُخْزِهِمْ أي بعد قتلكم إياهم، و هذا يدلعلى أن هذا الإخزاء إنما وقع بهم فيالآخرة، و هذا ضعيف لما بينا أن الإخزاءواقع في الدنيا.
و ثالثها: قوله تعالى: وَ يَنْصُرْكُمْعَلَيْهِمْ
و المعنى أنه لما حصل الخزي لهم بسببكونهم مقهورين فقد حصل النصر للمسلمينبسبب كونهم قاهرين.
فإن قالوا: لما كان حصول ذلك الخزيمستلزما لحصول هذا النصر، كان إفرادهبالذكر عبثا فنقول:
ليس الأمل كذلك، لأنه من المحتمل أن يحصلالخزي لهم من جهة المؤمنين، إلا أنالمؤمنين يحصل لهم آفة بسبب آخر فلما قال:وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ دل على أنهمينتفعون بهذا النصر و الفتح و الظفر.
ورابعها: قوله: وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍمُؤْمِنِينَ
و قد ذكرنا أن خزاعة أسلموا، فأعانت قريشبني بكر عليهم حتى نكلوا بهم، فشفى اللَّهصدورهم من بني بكر، و من المعلوم أن من طالتأذيه من خصمه، ثم مكنه اللَّه منه علىأحسن الوجوه فإنه يعظم سروره به، و يصيرذلك سببا لقوة النفس، و ثبات العزيمة.
و خامسها: قوله: وَ يُذْهِبْ غَيْظَقُلُوبِهِمْ.
و لقائل أن يقول: قوله: وَ يَشْفِ صُدُورَقَوْمٍ مُؤْمِنِينَ معناه أنه يشفي من ألمالغيظ و هذا هو عين إذهاب الغيظ، فكانقوله: وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْتكرار.
والجواب: أنه تعالى وعدهم بحصول هذا الفتحفكانوا في زحمة الانتظار، كما قيلالانتظار الموت الأحمر، فشفى صدورهم منزحمة الانتظار، و على هذا الوجه يظهرالفرق بين قوله: وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍمُؤْمِنِينَ و بين قوله: وَ يُذْهِبْغَيْظَ قُلُوبِهِمْ فهذه هي المنافعالخمسة التي ذكرها اللَّه تعالى في هذاالقتال، و كلها ترجع إلى تسكين الدواعيالناشئة من القوةالغضبية، و هي التشفي ودرك الثأر و إزالة الغيظ، و لم يذكر تعالىفيها وجدان الأموال والفوز بالمطاعم والمشارب و ذلك لأن العرب قوم جبلوا علىالحمية و الأنفة، فرغبهم في هذه المعانيلكونها لائقة بطباعهم،
بقي ههنا مباحث:
أن هذه الأوصاف مناسبة لفتحمكة،
لأن ذلك جرى في تلك الواقعة مشاكل لهذهالأحوال، ولهذا المعنى جاز أن يقال: الآيةواردة فيه.
الآية دالة على المعجزة
لأنه تعالى أخبر عن حصول هذه الأحوال، وقد وقعت موافقة لهذه الأخبار فيكون ذلكإخبارا عن الغيب، و الإخبار عن الغيب معجز.
هذه الآية تدل على كونالصحابة مؤمنين في علم اللَّه تعالىإيمانا حقيقيا
لأنها تدل على أن قلوبهم كانت مملوءة منالغضب، و من الحمية لأجل الدين، و منالرغبة الشديدة في علو دين الإسلام، و هذهالأحوال لا تحصل إلا في قلوب المؤمنين.