الولد للإله مع أنه منزه عن الحاجة والشهوة و المضاجعة و المباضعة قول باطل،ليس عند العقل منه أثر و نظيره قوله تعالى:يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِيقُلُوبِهِمْ [آل عمران: 167] و الثاني: أنالإنسان قد يختار مذهبا إما على سبيلالكناية و إما على سبيل الرمز و التعريض،فإذا صرح به و ذكره بلسانه، فذلك هو الغايةفي اختياره لذلك المذهب، و النهاية فيكونه ذاهبا إليه قائلا به. و المراد ههناأنهم يصرحون بهذا المذهب و لا يخفونهالبتة. و الثالث: أن المراد أنهم دعواالخلق إلى هذه المقالة حتى وقعت هذهالمقالة في الأفواة و الألسنة، و المرادمنه مبالغتهم في دعوة الخلق إلى المذهب.
ثم قال تعالى: يُضاهِؤُنَ قَوْلَالَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ و فيهمسائل:
الأول: أن المراد أن هذا القول من اليهود والنصارى يضاهي قول المشركين الملائكةبنات اللّه. الثاني: أن الضمير للنصارى أيقولهم المسيح ابن اللّه يضاهي قول اليهودعزير ابن اللّه لأنهم أقدم منهم. الثالث:أن هذا القول من النصارى يضاهيقولقدمائهم، يعني أنه كفر قديم، فهو غيرمستحدث.
قال الفراء يقال ضاهيته ضهيا و مضاهاة،هذا قول أكثر أهل اللغة في المضاهاة. وقالشمر: المضاهاة: المتابعة، يقال: فلان يضاهيفلانا أي يتابعه.
و الباقون بغير همزة وضم الهاء، يقالضاهيته و ضاهأته لغتان مثل أرجيت و أرجأت.وقال أحمد بن يحيى لم يتابع عاصما أحد علىالهمزة.
ثم قال تعالى: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىيُؤْفَكُونَ
أي هم أحقاء بأن يقال لهم هذا القول تعجبامن بشاعة قولهم كما يقال القوم ركبواسبعا، قاتلهم اللّه ما أعجب فعلهم! أَنَّىيُؤْفَكُونَ الإفك الصرف يقال أفك الرجلعن الخير، أي قلب و صرف، و رجل مأفوك أيمصروف عن الخيز. فقوله تعالى: أَنَّىيُؤْفَكُونَ معناه كيف يصدون و يصرفون عنالحق بعد وضوح الدليل، حتى يجعلوا للّهولدا! و هذا التعجب إنما هو راجع إلىالخلق، و اللّه تعالى لا يتعجب من شيء،ولكن هذا الخطاب على عادة العرب فيمخاطباتهم، و اللّه تعالى عجب نبيه منتركهم الحق و إصرارهم على الباطل.
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِاللَّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاًواحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُعَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
[في قوله تعالى اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْوَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِاللَّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ]
و اعلم أنه تعالى وصف اليهود و النصارىبضرب آخر من الشرك بقوله: اتَّخَذُواأَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباًمِنْ دُونِ اللَّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَمَرْيَمَ
و في الآية مسائل:
و اختلفوا في واحده، فبعضهم يقول حبر وبعضهم يقول حبر. و قال الأصمعي: لا أدري أهوالحبر أو الحبر؟ و كان أبو الهيثم يقولواحد الأحبار حبر بالفتح لا غير، و ينكرالكسر، و كان الليث و ابن السكيت يقولانحبر و حبر للعالم ذميا كان أو مسلما، بعدأن يكون من أهل الكتاب. و قال أهل المعانيالحبر العالم الذي بصناعته يحبر المعاني،و يحسن البيان عنها. و الراهب الذي تمكنتالرهبة و الخشية في قلبه و ظهرت آثارالرهبة على وجهه و لباسه. و في عرفالاستعمال، صار الأحبار