مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 16 -صفحه : 177/ 33
نمايش فراداده

في قوله: وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِاللَّهِ يريد الذين لا يؤدون زكاة أموالهم. قال القاضي: تخصيص هذا المعنى بمنعالزكاة لا سبيل إليه، بل الواجب أن يقال:الكنز هو المال الذي ما أخرج عنه ما وجبإخراجه عنه، و لا فرق بين الزكاة و بين مايجب من الكفارات، و بين ما يلزم من نفقةالحج أو الجمعة، و بين ما يجب إخراجه فيالدين و الحقوق و الإنفاق على الأهل أوالعيال و ضمان المتلفات و أروش الجناياتفيجب في كل هذه الأقسام أن يكون داخلا فيالوعيد.

و القول الثاني:

أن المال الكثير إذا جمعفهو الكنز المذموم، سواء أديت زكاته أو لمتؤد. و احتج الذاهبون إلى القول الأول علىصحة قولهم بأمور: الأول: عموم قوله تعالى:لَها ما كَسَبَتْ [البقرة: 286] فإن ذلك يدلعلى أن كل ما اكتسبه الإنسان فهو حقه و كذاقوله تعالى: وَ لا يَسْئَلْكُمْأَمْوالَكُمْ [محمد:

] و قوله عليه الصلاةو السلام: «نعم المال الصالح للرجلالصالح» و قوله عليه السلام: «كل امرى‏ءأحق بكسبه» و قوله عليه السلام: «ما أدىزكاته فليس بكنز و إن كان باطنا، و ما بلغأن يزكى و لم يزك فهو كنز» و إن كان ظاهرا.الثاني:

أنه كان في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام جماعة كعثمان و عبد الرحمن بن عوف،و كان عليه السلام يعدهم من أكابرالمؤمنين. الثالث: أنه عليه السلام ندب إلىإخراج الثلث أو أقل في المرض، و لو كان جمعالمال محرما لكان عليه السلام أقر المريضبالتصدق بكله، بل كان يأمر الصحيح في حالصحته بذلك. و احتج الذاهبون إلى القولالثاني بوجوه: الأول: عموم هذه الآية، و لاشك أن ظاهرها دليل على المنع من جمع المال،فالمصير إلى أن الجمع مباح بعد إخراجالزكاة ترك لظاهر هذه الآية، فلا يصارإليه إلا بدليل منفصل.

و الثاني: ما روى سالم بن الجعد أنه لمانزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّى اللهعليه وسلّم: «تبا للذهب تبا للفضة، قالهاثلاثا، فقالوا له أي مال نتخذ؟ قال: لساناذاكرا، و قلبا خاشعا، و زوجة تعين أحدكمعلى دينه». و قال عليه السلام: «من بركصفراء أو بيضاء كوى بها، و توفى رجل فوجدفي مئزره دينار فقال عليه السلام: «كية» وتوفي آخر فوجد في مئزره ديناران فقال عليهالصلاة و السلام: «كيتان» و الثالث: ما رويعن الصحابة في هذا الباب فقال علي: كل مالزاد على أربعة آلاف فهو كنز أديت منهالزكاة أو لم تؤد، و عن أبي هريرة كل صفراءأو بيضاء أوكى عليها صاحبها فهي كنز. و عنأبي الدرداء أنه كان إذا رأى أن العسيرتقدم بالمال صعد على موضع مرتفع و يقولجاءت القطار تحمل النار و بشر الكنازينبكي في الجباه و الجنوب و الظهور و البطون.و الرابع: أنه تعالى إنما خلق الأموالليتوسل بها إلى دفع الحاجات، فإذا حصلللإنسان قدر ما يدفع به حاجته ثم جمعالأموال الزائدة عليه فهو لا ينتفع بهالكونها زائدة على قدر حاجته و منعها منالغير الذي يمكنه أن يدفع حاجته بها، فكانهذا الإنسان بهذا المنع مانعا من ظهورحكمته و مانعا من وصول إحسان اللّه إلىعبيده.

و اعلم أن الطريق الحق أن يقال الأولى أنلا يجمع الرجل الطالب للدين المال الكثير،إلا أنه لم يمنع عنه في ظاهر الشرع، فالأولمحمول على التقوى و الثاني على ظاهرالفتوى، أما بيان أن الأولى الاحتراز عنطلب المال الكثير فبوجوه:

الوجه الأول:

أن الإنسان إذا أحب شيئافكلما كان وصوله إليه أكثر و التذاذهبوجدانه أكثر، كان حبه له أشد و ميله أقوىفالإنسان إذا كان فقيرا فكأنه لم يذق لذةالانتفاع بالمال و كأنه غافل عن تلكاللذة، فإذا ملك القليل من المال وجدبقدره اللذة، فصار ميله أشد، فكلما صارتأمواله أزيد، كان التذاذه به أكثر و كانحرصه‏