انقادت، فالحساب يسمى دينا، لأنه يوجبالانقياد، و العدة تسمى دينا، فلم يكن حملهذا اللفظ على التعبد أولى من حمله علىالحساب. قال أهل العلم: الواجب علىالمسلمين بحكم هذه الآية أن يعتبروا فيبيوعهم و مدد ديونهم و أحوال زكواتهم وسائر أحكامهم السنة العربية بالأهلة، و لايجوز لهم اعتبار السنة العجمية و الرومية.
ثم قال تعالى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّأَنْفُسَكُمْ و فيه بحثان:
الضمير في قوله: فِيهِنَّفيه قولان:
الأول: و هو قول ابن عباس: أن المراد: فلاتظلموا في الشهور الإثني عشر أنفسكم، والمقصود منع الإنسان من الإقدام علىالفساد مطلقا في جميع العمر.
و الثاني: وهو قول الأكثرين: أن الضمير فيقوله: فِيهِنَّ عائد إلى الأربعة الحرمقالوا: و السبب فيه ما ذكرنا أن لبعضالأوقات أثرا في زيادة الثواب على الطاعاتو العقاب على المحظورات، و الدليل على أنهذا القول أولى و جوه: الأول: أن الضمير فيقوله: فِيهِنَّ عائد إلى المذكور السابقفوجب عوده إلى أقرب المذكورات، و ما ذاكإلا قوله: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌالثاني: أن اللّه تعالى خص هذه الأشهربمزيد الاحترام في آية أخرى و هو قوله:الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْفَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ[البقرة: 197] فهذه الأشياء غير جائزة في غيرالحج أيضا، إلا أنه تعالى أكد في المنعمنها في هذه الأيام تنبيها على زيادتها فيالشرف. الثالث: قال الفراء: الأولى رجوعهاإلى الأربعة، لأن العرب تقول فيما بينالثلاثة إلى العشرة (فيهن) فإذا جاوز هذاالعدد قالوا (فيها) و الأصل فيه أن جمعالقلة يكنى عنه كما يكنى عن جماعة مؤنثة، ويكنى عن جمع الكثرة، كما يكنى عن و احدةمؤنثة، كما قال حسان بن ثابت:
قال: يلمعن و يقطرن، لأن الأسياف والجفنات جمع قلة، و لو جمع جمع الكثرةلقال: تلمع و تقطر، هذا هو الاختيار، ثميجوز إجراء أحدهما مجرى الآخر كقولالنابغة:
فقال بهن و السيوف جمع كثرة.
في تفسير هذا الظلم أقوال:
الأول: المراد منه النسىء الذي كانوايعملونه فينقلون الحج من الشهر الذي أمراللّه بإقامته فيه إلى شهر آخر، و يغيرونتكاليف اللّه تعالى. و الثاني: أنه نهى عنالمقاتلة في هذه الأشهر. و الثالث: أنه نهىعن جميع المعاصي بسبب ما ذكرنا أن لهذهالأشهر مزيد أثر في تعظيم الثواب والعقاب، و الأقرب عندي حمله على المنع منالنسىء، لأن اللّه تعالى ذكره عقيبالآية.
ثم قال: وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَكَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةًو فيه مباحث:
قال الفراء: كَافَّةً أيجميعا،
و الكافة لا تكون مذكرة و لا مجموعة علىعدد الرجال فنقول: كافين، أو كافات للنساءو لكنها (كافة) بالهاء و التوحيد، لأنها وإن كانت على لفظ فاعلة فإنها في ترتيب مصدرمثل الخاصة و العامة، ولذلك لم تدخل العربفيها الألف و اللام، لأنها في مذهب قولكقاموا معا، و قاموا جميعا. و قال الزجاج:كافة منصوب على الحال، و لا يجوز أن يثنى ولا يجمع، كما أنك إذا قلت:
قاتلوهم عامة، لم تثن و لم تجمع، و كذلكخاصة.