أن الفقراء عيال اللّه لقوله تعالى: وَ مامِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّاعَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود: 6] و الأغنياءخزان اللّه لأن الأموال التي في أيديهمأموال اللّه، و لو لا أن اللّه تعالىألقاها في أيديهم و إلا لما ملكوا منهاحبة، فكم من عاقل ذكي يسعى أشد السعي، و لايملك ملء بطنه طعاما، و كم من أبله جلفتأتيه الدنيا عفوا صفوا.
إذا ثبت هذا فليس بمستبعد أن يقول الملكلخازنة: اصرف طائفة مما في تلك الخزانة إلىالمحتاجين من عبيدي.
أن يقال: المال بالكلية في يد الغني مع أنهغير محتاج إليه، و إهمال جانب الفقيرالعاجز عن الكسب بالكلية، لا يليق بحكمةالحكيم الرحيم، فوجب أن يجب على الغني صرفطائفة من ذلك المال إلى الفقير.
أن الشرع لما أبقى في يد المالك أكثر ذلكالمال و صرف إلى الفقير منه جزأ قليلا،تمكن المالك من جبر ذلك النقصان بسبب أنيتجر بما بقي في يده من ذلك المال و يربح ويزول ذلك النقصان.
أما الفقير ليس له شيء أصلا، فلو لم يصرفإليه طائفة من أموال الأغنياء لبقي معطلاو ليس له ما يجبره، فكان ذلك أولى.
أن الأغنياء لو لم يقوموا بإصلاح مهماتالفقراء فربما حملهم شدة الحاجة و مضرةالمسكنة على الالتحاق بأعداء المسلمين،أو على الإقدام على الأفعال المنكرةكالسرقة و غيرها فكان إيجاب الزكاة يفيدهذه الفائدة فوجب القول بوجوبها.
قال عليه الصلاة و السلام: «الإيماننصفان، نصف صبر و نصف شكر» و المال محبوببالطبع، فوجدانه يوجب الشكر و فقدانه يوجبالصبر، و كأنه قيل: أيها الغني أعطيتكالمال فشكرت فصرت من الشاكرين، فأخرج منيدك نصيبا منه حتى تصبر على فقدان ذلكالمقدار فتصير بسببه من الصابرين، و أيهاالفقير ما أعطيتك الأموال الكثيرة فصبرتفصرت من الصابرين، و لكني أوجب على الغنيأن يصرف إليك طائفة من ذلك المال حتى إذادخل ذلك المقدار في ملكك شكرتني، فصرت منالشاكرين، فكان إيجاب الزكاة سببا في جعلجميع المكلفين موصوفين بصفة الصبر و الشكرمعا.
كأنه سبحانه يقول للفقير إن كنت قد منعتكالأموال الكثيرة، و لكني جعلت نفسي مديونامن قبلك، و إن كنت قد أعطيت الغني أموالاكثيرة لكني كلفته أن يعدوا خلفك، و أنيتضرع إليك حتى تأخذ ذلك القدر منه، فتكونكالمنعم عليه بأن خلصته من النار.
فإن قال الغني: قد أنعمت عليك بهذاالدينار، فقل أيها الفقير بل أنا المنعمعليك حيث خلصتك في الدنيا من الذم و العار،و في الآخرة من عذاب النار، فهذه جملة منالوجوه في حكمة إيجاب الزكاة بعضهايقينية، و بعضها إقناعية، و العالم بأسرارحكم اللّه و حكمته ليس إلا اللّه. و اللّهأعلم.
في تفسير هذه الآية و فيهمسائل:
الآية تدل على أنه لا حق في الصدقات لأحدإلا لهذه الأصناف الثمانية، و ذلك مجمععليه، و أيضا فلفظة (إنما) تفيد الحصر و يدلعليه وجوه: الأول: أن كلمة