و هو أن بذل المال تشبه بالملائكة والأنبياء، و إمساكه تشبه بالبخلاءالمذمومين، فكان البذل أولى.
و الوجه التاسع:
أن إفاضة الخير و الرحمة من صفات الحقسبحانه و تعالى، و السعي في تحصيل هذهالصفة بقدر القدرة تخلق بأخلاق اللّه، وذلك منتهى كمالات الإنسانية.
و الوجه العاشر:
أن الإنسان ليس له إلا ثلاثة أشياء: الروحو البدن و المال. فإذا أمر بالإيمان فقدصار جوهر الروح مستغرقا في هذا التكليف. ولما أمر بالصلاة فقد صار اللسان مستغرقابالذكر و القراءة، و البدن مستغرقا في تلكالأعمال، بقي المال، فلو لم يصر المالمصروفا إلى أوجه البر و الخير لزم أن يكونشح الإنسان بماله فوق شحه بروحه و بدنه، وذلك جهل، لأن مراتب السعادات ثلاثة: أولها:السعادات الروحانية.و ثانيها: السعادات البدنية و هي المرتبةالوسطى. و ثالثها: السعادات الخارجية و هيالمال و الجاه. فهذه المراتب تجري مجرىخادم السعادات النفسانية، فإذا صار الروحمبذولا في مقام العبودية، ثم حصل الشحببذل المال لزم جعل الخادم في مرتبة أعلىمن المخدوم الأصلي، و ذلك جهل. فثبت أنهيجب على العاقل أيضا بذل المال في طلبمرضاة اللّه تعالى.
و الوجه الحادي عشر:
أن العلماء قالوا: شكر النعمة عبارة عنصرفها إلى طلب مرضاة المنعم، و الزكاة شكرالنعمة، فوجب القول بوجوبها لما ثبت أنشكر المنعم واجب.
و الوجه الثاني عشر:
أن إيجاب الزكاة يوجب حصول الالف بالمودةبين المسلمين، و زوال الحقد و الحسد عنهم،و كل ذلك من المهمات، فهذه وجوه معتبرة فيبيان الحكمة الناشئة من إيجاب الزكاةالعائدة إلى معطي الزكاة،[القسم الثاني] فأما المصالح العائدة منإيجاب الزكاة إلى من يأخذ الزكاة فهيكثيرة،
الأول:
أن اللّه تعالى خلق الأموال، و ليسالمطلوب منها أعيانها و ذواتها. فإن الذهبو الفضة لا يمكن الانتفاع بهما فيأعيانهما إلا في الأمر القليل، بل المقصودمن خلقهما أن يتوسل بهما إلى تحصيلالمنافع و دفع المفاسد، فالإنسان إذا حصلله من المال بقدر حاجته كان هو أولىبإمساكه لأنه يشاركه سائر المحتاجين فيصفة الحاجة، و هو ممتاز عنهم بكونه ساعيافي تحصيل ذلك المال، فكان اختصاصه بذلكالمال أولى من اختصاص غيره، و أما إذا فضلالمال على قدر الحاجة، و حضر إنسان آخرمحتاج، فههنا حصل سببان كل واحد منهمايوجب تملك ذلك المال. أما في حق المالك،فهو أنه سعى في اكتسابه و تحصيله، و أيضاشدة تعلق قلبه به، فإن ذلك التعلق أيضا نوعمن أنواع الحاجة. و أما في حق الفقير،فاحتياجه إلى ذلك المال يوجب تعلقه به،فلما وجد هذان السببان المتدافعان اقتضتالحكمة الإلهية رعاية كل واحد من هذينالسببين بقدر الإمكان. فيقال حصل للمالكحق الاكتساب و حق تعلق قلبه به، و حصلللفقير حق الاحتياج، فرجحنا جانب المالك،و أبقينا عليه الكثير و صرفنا إلى الفقيريسيرا منه توفيقا بين الدلائل بقدرالإمكان.
الثاني:
أن المال الفاضل عن الحاجات الأصلية إذاأمسكه الإنسان في بيته بقي معطلا عنالمقصود الذي لأجله خلق المال، و ذلك سعيفي المنع من ظهور حكمة اللّه تعالى، و هوغير جائز، فأمر اللّه بصرف طائفة منه إلىالفقير حتى لا تصير تلك الحكمة معطلةبالكلية.