اعلم أن هذا الكلام غني عن التفسير و فيهسؤال و احد، و هو أن القوم لما قالوا: إِنَّهذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ فكيف حكى موسى عليهالسلام أنهم قالوا: أَ سِحْرٌ هذا على سبيلالاستفهام؟
و جوابه: أن موسى عليه السلام ما حكى عنهمأنهم قالوا: أَ سِحْرٌ هذا بل قال: أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ ماتقولون، ثم حذف عنه مفعول أَ تَقُولُونَلدلالة الحال عليه، ثم قال مرة أخرى أَسِحْرٌ هذا و هذا استفهام على سبيلالإنكار، ثم احتج على أنه ليس بسحر، و هوقوله: وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ يعنيأن حاصل صنعهم تخييل و تمويه وَ لايُفْلِحُ السَّاحِرُونَ و أما قلب العصاحية و فلق البحر، فمعلوم بالضرورة أنه ليسمن باب التخييل و التمويه فثبت أنه ليسبسحر.
قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّاوَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَ تَكُونَلَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّساحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جاءَالسَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسىأَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ماجِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَسَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُعَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَ يُحِقُّاللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ لَوْكَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)
و فيه مسائل:
اعلم أنه تعالى حكى عنفرعون و قومه أنهم لم يقبلوا دعوة موسىعليه السلام، و عللوا عدم القبول بأمرين:
الأول: قوله: أَ جِئْتَنا لِتَلْفِتَناعَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا قالالواحدي: اللفت في أصل اللغة الصرف عن أمر،و أصله اللي يقال: لفت عنقه إذا لواها، و منهذا يقال: التفت إليه، أي أمال و جهه إليهقال الأزهري: لفت الشيء و فتله إذا لواه،و هذا من المقلوب.
و اعلم أن حاصل هذا الكلام أنهم قالوا: لانترك الدين الذي نحن عليه، لأنا و جدناآبائنا عليه، فقد تمسكوا بالتقليد و دفعواالحجة الظاهرة بمجرد الإصرار.
و السبب الثاني: في عدم القبول قوله: وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِيالْأَرْضِ قال المفسرون: المعنى و يكونلكما الملك و العز في أرض مصر، و الخطابلموسى و هارون. قال الزجاج: سمى الملككبرياء، لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا،و أيضا فالنبي إذا اعترف القوم بصدقه صارتمقاليد أمر أمته إليه، فصار أكبر القوم.
و اعلم أنالسبب الأول: إشارة إلى التمسكبالتقليد، و السبب الثاني: إشارة إلىالحرص على طلب الدنيا، و الجد في بقاءالرياسة، و لما ذكر القوم هذين السببينصرحوا بالحكم و قالوا: وَ ما نَحْنُ لَكُمابِمُؤْمِنِينَ.
و اعلم أن القوم لما ذكروا هذه المعانيحاولوا بعد ذلك، و أرادوا أن يعارضوامعجزة موسى عليه السلام بأنواع من السحر،ليظهروا عند الناس أن ما أتى به موسى منباب السحر، فجمع فرعون السحرة و أحضرهم،فقال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون.
فإن قيل: كيف أمرهم بالكفر و السحر و الأمربالكفر كفر؟