بعد ذلك أن هذا التفكر و التدبر في هذهالآيات لا ينفع في حق من حكم اللَّه تعالىعليه في الأزل بالشقاء و الضلال، فقال:
وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُعَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ و فيه مسائل:
الأول: أن تكون نفيا بمعنى أن هذه الآيات والنذر لا تفيد الفائدة في حق من حكم اللَّهعليه بأنه لا يؤمن، كقولك: ما يغني عنكالمال إذا لم تنفق. و الثاني: أن تكوناستفهاما كقولك: أي شيء يغني عنهم، و هواستفهام بمعنى الإنكار.
و النذر الرسل المنذرون أو الإنذارات.
بالياء من تحت.
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَأَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْقَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّيمَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102)ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَ الَّذِينَآمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِالْمُؤْمِنِينَ (103)
و اعلم أن المعنى هل ينتظرون إلا أيامامثل أيام الأمم الماضية، و المراد أنالأنبياء المتقدمين عليهم السلام كانوايتوعدون كفار زمانهم بمجيء أيام مشتملةعلى أنواع العذاب، و هم كانوا يكذبون بها ويستعجلونها على سبيل السخرية، و كذلكالكفار الذين كانوا في زمان الرسول عليهالصلاة و السلام هكذا كانوا يفعلون. ثم إنهتعالى أمره بأن يقول لهم: فَانْتَظِرُواإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
ثم إنه تعالى قال: ثُمَّ نُنَجِّيرُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا و فيهمسائل:
و قرأ الباقون: مشددة و هما لغتان و كذلكفي قوله: نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.
و تقدير الكلام كانت عادتنا فيما مضى أننهلكهم سريعا ثم ننجي رسلنا.
فقال:
العذاب لا ينزل إلا على الكفار و أماالرسول و أتباعه فهم أهل النجاة.
ثم قال: كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِالْمُؤْمِنِينَ و فيه مسألتان:
و حقا علينا اعتراض، يعني حق ذلك عليناحقا.
لأن تخليص الرسول و المؤمنين من العذابإلى الثواب واجب و لولاه لما حسن من اللَّهتعالى أن يلزمهم الأفعال الشاقة و إذا ثبتوجوبه لهذا السبب جرى مجرى قضاء الدينللسبب المتقدم.
و الجواب: أنا نقول إنه حق بسبب الوعد والحكم، و لا نقول إنه حق بسبب الاستحقاق،لما ثبت أن العبد لايستحق على خالقه شيئا.