بالرذالة قالوا: كونهم كذلك بادي الرأيأمر ظاهر لكل من يراهم، و الرأي على هذاالمعنى من رأي العين لا من رأي القلب ويتأكد هذا التأويل بما نقل عن مجاهد أنهكان يقرأ إلا الذين هم أراذلنا بادي رأيالعين.
فمن قرأ بادئ بالهمزة فالمعنى أول الرأي وابتداؤه و من قرأ بالياء غير مهموز كان منبدا يبدو أي ظهر و بادِيَ نصب على المصدركقولك: ضربت أول الضرب.
قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْكُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِفَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَهاكارِهُونَ (28)
في الآية مسائل:
فالشبهة الأولى: قولهم: ما نَراكَ إِلَّابَشَراً مِثْلَنا فقال نوح حصول المساواةفي البشرية لا يمنع من حصول المفارقة فيصفة النبوة و الرسالة، ثم ذكر الطريقالدال على إمكانه، فقال: أَ رَأَيْتُمْإِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّيمن معرفة ذات اللَّه و صفاته و ما يجب و مايمتنع و ما يجوز عليه، ثم إنه تعالى أتانيرحمة من عنده، و المراد بتلك الرحمة إماالنبوة و إما المعجزة الدالة على النبوةفَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أي صارت مظنةمشتبهة ملتبسة في عقولكم، فهل أقدر على أنأجعلكم بحيث تصلون إلى معرفتها شئتم أمأبيتم؟ و المراد أني لا أقدر على ذلكألبتة، و عن قتادة: و اللَّه لو استطاع نبياللَّه لألزمها و لكنه لم يقدر عليه، وحاصل الكلام أنهم لما قالوا: وَ ما نَرىلَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ [هود: 27] ذكرنوح عليه السلام أن ذلك بسبب أن الحجة عميتعليكم و اشتبهت، فأما لو تركتم العناد واللجاج و نظرتم في الدليل لظهر المقصود، وتبين أن اللَّه تعالى آتانا عليكم فضلاعظيما.
بمعنى ألبست و شبهت و الباقون بفتح العينمخففة الميم، أي التبست و اشتبهت.
و اعلم أن الشيء إذا بقي مجهولا محضاأشبه المعمي، لأن العلم نور البصيرةالباطنة و الأبصار نور البصر الظاهر فحسنجعل كل و احد منها مجازا عن الآخر و تحقيقهأن البينة توصف بالأبصار قال تعالى:فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً[النمل: 13] و كذلك توصف بالعمى، قال تعالى:فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ[القصص:
66] و قال في هذه الآية: فَعُمِّيَتْعَلَيْكُمْ.
ضمير المتكلم و ضمير الغائب و ضميرالمخاطب، و أجاز الفراء إسكان الميمالأولى، و روي ذلك عن أبي عمرو قال: و ذلكأن الحركات توالت فسكنت الميم و هي أيضامرفوعة و قبلها كسرة و الحركة التي بعدهاضمة ثقيلة، قال الزجاج: جميع النحويينالبصريين لا يجيزون إسكان حرف الإعراب إلافي ضرورة الشعر و ما يروى عن أبي عمرو فلميضبطه عنه الفراء، و روي عن سيبويه أنه كانيخفف الحركة و يختلسها، و هذا هو الحق وإنما يجوز الإسكان في الشعر كقول امرىءالقيس:
فاليوم أشرب غير مستحقب