الدابة و ركوب السفينة و ركوب البحر و كلشيء علا شيئا فقد ركبه، يقال ركبه الدينقال الليث: و تسمي العرب من يركب السفينةراكب السفينة. و أما الركبان و الركب منركبوا الدواب و الإبل. قال الواحدي: و لفظة(في) في قوله: ارْكَبُوا فِيها لا يجوز أنتكون من صلة الركوب، لأنه يقال ركبتالسفينة و لا يقال ركبت في السفينة، بلالوجه أن يقال مفعول اركبوا محذوف والتقدير اركبوا الماء في السفينة، و أيضايجوز أن يكون فائدة هذه الزيادة، أنهأمرهم أن يكونوا في جوف الفلك لا على ظهرهافلو قال اركبوها: لتوهموا أنه أمرهم أنيكونوا على ظهر السفينة.
أما قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراهاوَ مُرْساها ففيه مسائل:
و الباقون بضم الميم و اتفقوا في مرساهاأنه بضم الميم، و قال صاحب «الكشاف»: قرأمجاهد مَجْراها وَ مُرْساها بلفظ اسمالفاعل مجروري المحل صفتين للَّه تعالى.قال الواحدي: المجرى مصدر كالإجراء، ومثله قوله: مُنْزَلًا مُبارَكاً[المؤمنون: 29] و أَدْخِلْنِي مُدْخَلَصِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ[الإسراء: 80] و أما من قرأ مَجْراها بفتحالميم، فهو أيضا مصدر، مثل الجري. و احتجصاحب هذه القراءة بقوله: وَ هِيَ تَجْرِيبِهِمْ [هود: 42] و لو كان مجراها لكان و هيتجريهم، و حجة من ضم الميم أن جرت بهم وأجرتهم يتقاربان في المعنى، فإذا قال:
تَجْرِي بِهِمْ فكأنه قال: تجريهم، و أماالمرسي فهو أيضا مصدر كالإرساء. يقال: رساالشيء يرسو إذا ثبت و أرساه غيره، قالتعالى: وَ الْجِبالَ أَرْساها [النازعات:32] قال ابن عباس: يريد تجري بسم اللَّه وقدرته، و ترسو بسم اللَّه و قدرته، و قيل:كان إذا أراد أن تجري بهم قال: بِسْمِاللَّهِ مَجْراها فتجري، و إذا أراد أنترسو قال: بسم اللَّه مرساها فترسو.
الأول: اركبوا بسم اللَّه، و الثاني:ابدؤا بسم اللَّه، و الثالث: بسم اللَّهإجراؤها و إرساؤها، و قيل: إنها سارت لأوليوم من رجب، و قيل: لعشر مضين من رجب، فصارتستة أشهر، و استوت يوم العاشر من المحرمعلى الجودي.
أن يكون مجموع قوله: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِمَجْراها وَ مُرْساها كلاما و احدا، والتقدير: و قال اركبوا فيها بسم مجريها ومرساها، يعني ينبغي أن يكون الركوب مقرونابهذا الذكر.
أن يكونا كلامين، والتقدير: أن نوحا عليه السلام أمرهمبالركوب، ثم أخبرهم بأن مجريها و مرساهاليس إلا بسم اللَّه و أمره و قدرته.
يشير إلى أن الإنسان لاينبغي أن يشرع في أمر من الأمور إلا و يكونفي وقت الشروع فيه ذاكرا لاسم اللَّهتعالى بالأذكار المقدسة حتى يكون ببركةذلك الذكر سببا لتمام ذلك المقصود.
يدل على أنه لما ركبالسفينة أخبر القوم بأن السفينة ليست سببالحصول النجاة بل الواجب ربط الهمة و تعليقالقلب بفضل اللَّه تعالى، و أخبرهم أنهتعالى هو المجري و المرسي للسفينة، فإياكمأن تعولوا على السفينة، بل يجب أن يكونتعويلكم على فضل اللَّه فإنه هو المجري والمرسي لها، فعلى التقدير الأول كان نوحعليه السلام وقت ركوب السفينة في مقامالذكر، و على التقدير الثاني كان في مقامالكفر و البراءة