المحل مثلا للحال، و لم يكن كون أحدهمامحلا و الآخر حالا، أولى من العكس، فيلزمكون كل واحد منهما محلا للآخر و حالا فيه،و ذلك محال، و أما إن كان ذلك المحل غيرمتحيز، و له حجم فنقول: مثل هذا الشيء لايكون له اختصاص بحيز و لا تعلق بجهة والجسم مختص بالحيز، و حاصل في الجهة، والشيء الذي يكون واجب الحصول في الحيز والجهة، يمتنع أن يكون حالا في الشيء الذييمتنع حصوله في الحيز و الجهة.
و أما القسم الثالث: و هو أن يقال: ما بهخالف جسم جسما، لا حال في الجسم ولا محلله، فهذا أيضا باطل، لأن على هذا التقديريكون ذلك الشيء شيئا مباينا عن الجسم لاتعلق له به، فحينئذ تكون ذوات الأجسام منحيث ذواتها متساوية في تمام الماهية، وذلك هو المطلوب، فثبت أن الأجسام بأسرهامتساوية في تمام الماهية.
و إذا ثبت هذا فنقول: الأشياء المتساويةفي تمام الماهية تكون متساوية في جميعلوازم الماهية، فكل ما صح على بعضها وجب أنيصح على الباقي، فلما صح على جرم الشمساختصاصه بالضوء القاهر الباهر، وجب أن يصحمثل ذلك الضوء القاهر على جرم القمر أيضا،و بالعكس و إذا كان كذلك، وجب أن يكوناختصاص جرم الشمس بضوئه القاهر، و اختصاصالقمر بنوره الضعيف بتخصيص مخصص و إيجادموجد و تقدير مقدر و ذلك هو المطلوب، فثبتأن اختصاص الشمس بذلك الضوء بجعل جاعل، وأن اختصاص القمر بذلك النوع من النور بجعلجاعل، فثبت بالدليل القاطع صحة قولهسبحانه و تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَالشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وهو المطلوب.
إما أن يكون جمع ضوء كسوط وسياط و حوض وحياض، أو مصدر ضاء يضوء ضياء كقولك قامقياما، و صام صياما، و على أي الوجهينحملته، فالمضاف محذوف، و المعنى جعل الشمسذات ضياء، و القمر ذا نور، و يجوز أن يكونمن غير ذلك لأنه لما عظم الضوء و النورفيهما جعلا نفس الضياء و النور كما يقالللرجل الكريم أنه كرم وجود.
و أكثر الناس على تغليطه فيه، لأن ياءضياء منقلبة من واو مثل ياء قيام و صيام،فلا وجه للهمزة فيها. ثم قال: و على البعديجوز أن يقال قدم اللام التي هي الهمزة إلىموضع العين، و أخر العين التي هي واو، إلىموضع اللام، فلما وقعت طرفا بعد ألف زائدةانقلبت همزة، كما انقلبت في سقاء وبابه. واللّه أعلم.
فإن نور الصباح أضعف من النور الحاصل فيأول النهار قبل طلوع الشمس، و هو أضعف منالنور الحاصل في أفنية الجدران عند طلوعالشمس، و هو أضعف من النور الساطع من الشمسعلى الجدران، و هو أضعف من الضوء القائمبجرم الشمس فكمال هذه الكيفية المسماةبالضوء على ما يحس به في جرم الشمس، و هو فيالإمكان وجود مرتبة في الضوء أقوى منالكيفية القائمة بالشمس، فهو من مواقفالعقول. و اختلف الناس في أن الشعاع الفائضمن الشمس هل هو جسم أو عرض؟ و الحق أنه عرض،و هو كيفي مخصوصة، و إذا ثبت أنه عرض فهلحدوثه في هذا العالم بتأثير قرص الشمس أولأجل أن اللّه تعالى أجرى عادته بخلق هذهالكيفية في الأجرام المقابلة لقرص الشمسعلى سبيل العادة، فهي مباحث عميقة، و إنمايليق الاستقصاء فيها بعلوم المعقولات.