مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 17 -صفحه : 173/ 31
نمايش فراداده

فحقيقة الطمأنينة أن يزول عن قلوبهمالوجل، فإذا سمعوا الإنذار و التخويف لمتوجل قلوبهم و صارت كالميتة عند ذكر اللّهتعالى.

المسألة الثانية: مقتضى اللغة أن يقال: واطمأنوا إليها،

إلا أن حروف الجر يحسن إقامة بعضها مقامالبعض، فلهذا السبب قال: وَ اطْمَأَنُّوابِها.

و الصفة الرابعة:

قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ‏

و المراد أنهم صاروا في الإعراض عن طلبلقاء اللّه تعالى بمنزلة الغافل عنالشي‏ء الذي لا يخطر بباله طول عمره ذكرذلك الشي‏ء، و بالجملة فهذه الصفاتالأربعة دالة على شدة بعده عن طلبالاستسعاد بالسعادات الأخرويةالروحانية، و على شدة استغراقه في طلب هذهالخيرات الجسمانية و السعادات الدنيوية.

و اعلم أنه تعالى لما وصفهم بهذه الصفاتالأربعة قال: أُولئِكَ مَأْواهُمُالنَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ و فيهمسألتان:

المسألة الأولى: النيران على أقسام:

النار التي هي جسم محسوس مضي‏ء محرق،صاعدا بالطبع، و الإقرار به واجب، لأجلأنه ثبت بالدلائل المذكورة أن الإقراربالجنة و النار حق.

القسم الثاني: النار الروحانية العقلية،و تقريره أن من أحب شيئا حبا شديدا ثم ضاععنه ذلك الشي‏ء بحيث لا يمكنه الوصولإليه، فإنه يحترق قلبه و باطنه، و كل عاقليقول: إن فلانا محترق القلب محترق الباطنبسبب فراق ذلك المحبوب و ألم هذه النارأقوى بكثير من ألم النار المحسوسة.

إذا عرفت هذا فنقول: إن الأرواح التي كانتمستغرقة في حب الجسمانيات و كانت غافلة عنحب عالم الروحانيات، فإذا مات ذلك الإنسانوقعت الفرقة بين ذلك الروح و بين معشوقاتهو محبوباته، و هي أحوال هذا العالم، و ليسله معرفة بذلك العالم و لا إلف مع أهل ذلكالعالم، فيكون مثاله مثال من أخرج منمجالسة معشوقة و ألقي في بئر ظلمانية لاإلف له بها، و لا معرفة له بأحوالها، فهذاالإنسان يكون في غاية الوحشة، و تألمالروح فكذا هنا، أما لو كان نفورا عن هذهالجسمانيات عارفا بمقابحها و معايبها وكان شديد الرغبة في اعتلاق العروة الوثقى،عظيم الحب للّه، كان مثاله مثال من كانمحبوسا في سجن مظلم عفن مملوء من الحشراتالمؤذية و الآفات المهلكة، ثم اتفق أن فتحباب السجن و أخرج منه و أحضر في مجلسالسلطان الأعظم مع الأحباب و الأصدقاء،كما قال تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَالنَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَأُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 69] فهذا هوالإشارة إلى تعريف النار الروحانية والجنة الروحانية.

المسألة الثانية: الباء في قوله: بِماكانُوا يَكْسِبُونَ مشعر بأن الأعمالالسابقة هي المؤثرة في حصول هذا العذاب‏

و نظيره قوله تعالى: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْيَداكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَبِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [الحج: 10].

[سورة يونس (10): الآيات 9 الى 10]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُواالصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْبِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُالْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّوَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُدَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعالَمِينَ (10)