مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 17 -صفحه : 173/ 6
نمايش فراداده

أما الإنذار فللكفار و الفساق ليرتدعوابسبب ذلك الإنذار عن فعل ما لا ينبغي، وأما التبشير فلأهل الطاعة لتقوى رغبتهمفيها و إنما قدم الإنذار على التبشير لأنالتخلية مقدمة على التحلية، و إزالة ما لاينبغي مقدم في الرتبة على فعل ما ينبغي.

المسألة السادسة: قوله: قَدَمَ صِدْقٍ فيهأقوال لأهل اللغة و أقوال المفسرين.

أما أقوال أهل اللغة فقد نقل الواحدي في«البسيط» منها وجوها. قال الليث و أبوالهيثم: القدم السابقة، و المعنى: أنهم قدسبق لهم عند اللّه خير قال ذو الرمة:


  • و أنت امرؤ من أهل بيت ذؤابة لهم قدممعروفة و مفاخر

  • لهم قدممعروفة و مفاخر لهم قدممعروفة و مفاخر

و قال أحمد بن يحيى: القدم كل ما قدمت منخير، و قال ابن الأنباري: القدم كناية عنالعمل الذي يتقدم فيه، و لا يقع فيه تأخيرو لا إبطاء.

و اعلم أن السبب في إطلاق لفظ القدم علىهذه المعاني، أن السعي و السبق لا يحصل إلابالقدم، فسمى المسبب باسم السبب، كما سميتالنعمة يدا، لأنها تعطى باليد.

فإن قيل: فما الفائدة في إضافة القدم إلىالصدق في قوله سبحانه: قَدَمَ صِدْقٍ.

قلنا: الفائدة التنبيه على زيادة الفضل وأنه من السوابق العظيمة، و قال بعضهم:المراد مقام صدق. و أما المفسرون فلهمأقوال فبعضهم حمل قَدَمَ صِدْقٍ علىالأعمال الصالحة و بعضهم حمله على الثواب،و منهم من حمله على شفاعة محمد عليه الصلاةو السلام، و اختار ابن الأنباري هذاالثاني و أنشد:


  • صل لذي العرش و اتخذ قدما بنجيك يومالعثار و الزلل‏

  • بنجيك يومالعثار و الزلل‏ بنجيك يومالعثار و الزلل‏

المسألة السابعة: أن الكافرين لما جاءهمرسول منهم فأنذرهم و بشرهم و أتاهم من عنداللّه تعالى بما هو اللائق بحكمته و فضله‏

قالوا متعجبين إِنَّ هذا لَساحِرٌمُبِينٌ أي إن هذا الذي يدعي أنه رسول هوساحر.

و الابتداء بقوله: قالَ الْكافِرُونَ علىتقدير فلما أنذرهم قال الكافرون إن هذالساحر مبين، قال القفال:

و إضمار هذا، غير قليل في القرآن.

المسألة الثامنة: قرأ ابن كثير و عاصم وحمزة و الكسائي إِنَّ هذا لَساحِرٌ

و المراد منه محمد صلّى الله عليه وسلّم،و الباقون لسحر و المراد به القرآن.

و اعلم أن وصف الكفار القرآن بكونه سحرايدل على عظم محل القرآن عندهم، و كونهمعجزا و أنه تعذر عليهم فيه المعارضة،فاحتاجوا إلى هذا الكلام.

و اعلم أن إقدامهم على وصف القرآن بكونهسحرا، يحتمل أن يكونوا ذكروه في معرضالذم، و يحتمل أنهم ذكروه في معرض المدح،فلهذا السبب اختلف المفسرون فيه فقالبعضهم: أرادوا به أنه كلام مزخرف حسنالظاهر، و لكنه باطل في الحقيقة، و لا حاصلله، و قال أخرون: أرادوا به أنه لكمالفصاحته و تعذر مثله، جار مجرى السحر.

و اعلم أن هذا الكلام لما كان في غايةالفساد لم يذكر جوابه، و إنما قلنا إنه فيغاية الفساد، لأنه صلّى الله عليه وسلّمكان منهم، و نشأ بينهم و ما غاب عنهم، و ماخالط أحدا سواهم، و ما كان مكة بلدةالعلماء و الأذكياء، حتى يقال: إنه‏