و المراد من قوله: بَغْيُكُمْ عَلىأَنْفُسِكُمْ بغي بعضكم على بعض كما فيقوله: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [البقرة:
54] و معنى الكلام أن بغي بعضكم عن بعضمنفعة الحياة الدنيا و لا بقاء لها. والثاني: أن قوله بَغْيُكُمْ مبتدأ، و قوله:عَلى أَنْفُسِكُمْ خبره، و قوله: مَتاعَالْحَياةِ الدُّنْيا خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو متاع الحياة الدنيا. و أماالقراءة بالنصب فوجهها أن نقول: إن قوله:بَغْيُكُمْ مبتدأ، و قوله: عَلىأَنْفُسِكُمْ خبره، و قوله: مَتاعَالْحَياةِ الدُّنْيا في موضع المصدرالمؤكد، و التقدير: تتمتعون متاع الحياةالدنيا.
قال عليه الصلاة و السلام: «أسرع الخيرثوابا صلة الرحم، و أعجل الشر عقابا البغيو اليمين الفاجرة» و روى «ثنتان يعجلهمااللَّه في الدنيا البغي و عقوق الوالدين»و عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: لو بغى جبلعلى جبل لاندك الباغي. و كان المأمون يتمثلبهذين البيتين في أخيه:
و عن محمد بن كعب القرظي: ثلاث من كن فيه كنعليه، البغي و النكث و المكر، قال تعالى:إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ.
أي لا يتهيأ لكم بغي بعضكم على بعض إلاأياما قليلة، و هي مدة حياتكم مع قصرها وسرعة انقضائها ثُمَّ إِلَيْنا أي ما وعدنامن المجازاة على أعمالكم مَرْجِعُكُمْفَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْتَعْمَلُونَ في الدنيا، و الإنباء هوالإخبار، و هو في هذا الموضع وعيد بالعذابكقول الرجل لغيره سأخبرك بما فعلت.
إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْياكَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِفَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِمِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُحَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُزُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّأَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْهاأَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراًفَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْتَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُالْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)
في الآية مسائل:
الذي ضربه لمن يبغي في الأرض و يغتربالدنيا، و يشتد تمسكه بها، و يقوى إعراضهعن أمر الآخرة و التأهب لها، فقال: إِنَّمامَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍأَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِفَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ و هذاالكلام يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكونالمعنى فاختلط به نبات الأرض بسبب هذاالماء النازل من السماء، و ذلك لأنه إذانزل المطر ينبت بسببه أنواع كثيرة منالنبات، و تكون تلك الأنواع مختلطة، و هذافيما لم يكن نابتا قبل نزول المطر. والثاني: أن يكون المراد منه الذي نبت، ولكنه لم يترعرع، و لم يهتز و إنما هو في أولبروزه من الأرض و مبدأ حدوثه، فإذا نزلالمطر عليه، و اختلط بذلك المطر، أي اتصلكل واحد منهما بالآخرة اهتز ذلك النبات وربا و حسن، و كمل و اكتسى كمال الرونق والزينة، و هو المراد من قوله تعالى: حَتَّىإِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ و ذلك لأن التزخرف عبارة عنكمال حسن الشيء فجعلت الأرض آخذة زخرفهاعلى التشبيه بالعروس إذا لبست الثيابالفاخرة من كل لون، و تزينت بجميع