مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 17 -صفحه : 173/ 59
نمايش فراداده

اعلم أنه تعالى لما دعا عباده إلى دارالسلام، ذكر السعادات التي تحصل لهم فيهافقال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏وَ زِيادَةٌ فيحتاج إلى تفسير هذه الألفاظالثلاثة.

أما اللفظ الأول: و هو قوله: لِلَّذِينَأَحْسَنُوا فقال ابن عباس: معناه: للذينذكروا كلمة لا إله إلا اللَّه.

و قال الأصم: معناه: للذين أحسنوا في كل ماتعبدوا به، و معناه: أنهم أتوا بالمأمور بهكما ينبغي، و اجتنبوا المنهيات من الوجهالذي صارت منهيا عنها.

و القول الثاني:

أقرب إلى الصواب لأنالدرجات العالية لا تحصل إلا لأهلالطاعات.

و أما اللفظ الثاني: و هو الْحُسْنى‏ فقالابن الأنباري: الحسنى في اللغة تأنيثالأحسن، و العرب توقع هذه اللفظة علىالحالة المحبوبة و الخصلة المرغوب فيها، ولذلك لم تؤكد، و لم تنعت بشي‏ء، و قال صاحب«الكشاف»: المراد: المثوبة الحسنى و نظيرهذه الآية قوله: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِإِلَّا الْإِحْسانُ [الرحمن:

60].

و أما اللفظ الثالث: و هو الزيادة فنقول:هذه الكلمة مبهمة، و لأجل هذا اختلف الناسفي تفسيرها، و حاصل كلامهم يرجع إلى قولين:

القول الأول:

أن المراد من منها رؤيةاللَّه سبحانه و تعالى قالوا: و الدليلعليه النقل و العقل.

أما النقل: فالحديث الصحيح الوارد فيه، وهو أن الحسنى هي الجنة، و الزيادة هي النظرإلى اللَّه سبحانه و تعالى.

و أما العقل: فهو أن الحسنى لفظة مفردة دخلعليها حرف التعريف، فانصرف إلى المعهودالسابق، و هو دار السلام و المعروف منالمسلمين و المتقرر بين أهل الإسلام منهذه اللفظة هو الجنة، و ما فيها من المنافعو التعظيم. و إذا ثبت هذا، وجب أن يكونالمراد من الزيادة أمرا مغايرا لكل ما فيالجنة من المنافع و التعظيم، و إلا لزمالتكرار و كل من قال بذلك قال: إنما هي رؤيةاللَّه تعالى فدل ذلك على أن المراد من هذهالزيادة:

الرؤية. و مما يؤكد هذا وجهان: الأول: أنهتعالى قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌإِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: 22، 23]فأثبت لأهل الجنة أمرين: أحدهما: نضرةالوجوه‏و الثاني: النظر إلى اللَّهتعالى، و آيات القرآن يفسر بعضها بعضافوجب حمل الحسنى ههنا على نضرة الوجوه، وحمل الزيادة على رؤية اللَّه تعالى.الثاني: أنه تعالى قال لرسوله صلّى اللهعليه وسلّم: وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّرَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً[الإنسان: 20] أثبت له النعيم، و رأية الملكالكبير، فوجب ههنا حمل الحسنى و الزيادةعلى هذين الأمرين.

القول الثاني:

أنه لا يجوز حمل هذهالزيادة على الرؤية. قالت المعتزلة و يدلعلى ذلك وجوه: الأول:

أن الدلائل العقلية دلت على أن رؤيةاللَّه تعالى ممتنعة. و الثاني: أن الزيادةيجب أن تكون من جنس المزيد عليه، و رؤيةاللَّه تعالى ليست من جنس نعيم الجنة.الثالث: أن الخبر الذي تمسكتم به في هذاالباب هو ما روي أن الزيادة، هي النظر إلىوجه اللَّه تعالى، و هذا الخبر يوجبالتشبيه، لأن النظر عبارة عن تقليب الحدقةإلى جهة المرئي و ذلك يقتضي كون المرئي فيالجهة، لأن الوجه اسم للعضو المخصوص، وذلك أيضا يوجب التشبيه فثبت أن هذا اللفظلا يمكن حمله على الرؤية، فوجب حمله علىشي‏ء آخر، و عند هذا قال الجبائي: الحسنىعبارة عن الثواب المستحق، و الزيادة هي مايزيده اللَّه تعالى على هذا الثواب منالتفضل‏