ذلك عندهم لما شاهدوا من أهوال الآخرة، والأنسان إذا عظم خوفه نسي الأمور الظاهرة.الثالث: أنه قل عندهم مقامهم في الدنيا فيجنب مقامهم في الآخرة و في العذاب المؤبد.الرابع: أنه قل عندهم مقامهم في الدنيالطول و قوفهم في الحشر. الخامس: المرادأنهم عند خروجهم من القبور يتعارفون كماكانوا يتعارفون في الدنيا، و كأنهم لميتعارفوا بسبب الموت إلا مدة قليلة لاتؤثر في ذلك التعارف. و أقول: تحقيق الكلامفي هذا الباب، أن عذاب الكافر مضرة خالصةدائمة مقرونة بالإهانة و الإذلال، والإحسان بالمضرة أقوى من الإحساس باللذةبدليل أن أقوى اللذات هي لذات الوقاع، والشعور بأم القولنج و غيره و العياذباللَّه تعالى أقوى من الشعور بلذةالوقاع. و أيضا لذات الدنيا مع خساستها ماكانت خالصة، بل كانت مخلوطة بالهموماتالكثيرة، و كانت تلك اللذات مغلوبةبالمؤلمات و الآفات، و أيضا إن لذاتالدنيا ما حصلت إلا بعض أوقات الحياةالدنيوية، و آلام الآخرة أبدية سرمدية لاتنقطع ألبتة و نسبة عمر جميع الدنيا إلىالآخرة الأبدية أقل من الجزء الذي لايتجزأ بالنسبة إلى ألف ألف عالم مثلالعالم الموجود.
إذا عرفت هذا فنقول: أنه متى قوبلتالخيرات الحاصلة بسبب الحياة العاجلةبالآفات الحاصلة للكافر وجدت أقل من اللذةبالنسبة إلى جميع العالم فقوله: كَأَنْلَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَالنَّهارِ إشارة إلى ما ذكرناه من قلتها وحقارتها في جنب ما حصل من العذاب الشديد.
أما قوله: يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ
ففيه وجوه: الأول: يعرف بعضهم بعضا كماكانوا يعرفون في الدنيا.
الثاني: يعرف بعضهم بعضا بما كانوا عليهمن الخطأ و الكفر، ثم تنقطع المعرفة إذاعاينوا العذاب و تبرأ بعضهم من بعض.
فإن قيل: كيف توافق هذه الآية قوله: وَ لايَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً [المعارج: 10] والجواب عنه من وجهين:
أن المراد من هذه الآية أنهميتعارفون بينهم يوبخ بعضهم بعضا، فيقول:كل فريق للآخر أنت أضللتني يوم كذا و زينتلي الفعل الفلاني من القبائح، فهذا تعارفتقبيح و تعنيف و تباعد و تقاطع لا تعارفعطف و شفقة. و أما قوله تعالى: وَ لايَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً فالمراد سؤالالرحمة و العطف.
في الجواب حمل هاتينالآيتين على حالتين، و هو أنهم يتعارفونإذا بعثوا ثم تنقطع المعرفة فلذلك لا يسالحميم حميما.
أما قوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَكَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ
ففيه وجهان: الأول: أن يكون التقدير: و يوميحشرهم حال كونهم متعارفين، و حال كونهمقائلين قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوابِلِقاءِ اللَّهِ الثاني: أن يكون قَدْخَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا كلام اللَّه،فيكون هذا شهادة من اللَّه عليهمبالخسران، و المعنى: أن من باع آخرتهبالدنيا فقد خسر، لأنه أعطى الكثير الشريفالباقي و أخذ القليل الخسيس الفاني.
و أما قوله: وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ
فالمراد أنهم ما اهتدوا إلى رعاية مصالحهذه التجارة، و ذلك لأنهم اغتروا بالظاهرو غفلوا عن الحقيقة، فصاروا كمن رأى زجاجةحسنة فظنها جوهرة شريفة فاشتراها بكل ماملكه، فإذا عرضها على الناقدين خاب سعيه وفات أمله و وقع في حرقة الروع و عذاب القلب.
و أما قوله: وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَالَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْنَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنامَرْجِعُهُمْ
فاعلم أن قوله فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْجواب نَتَوَفَّيَنَّكَ