مع أنكم كنتم قبل ذلك به تستعجلون علىسبيل السخرية و الاستهزاء، و قرىء آلانبحذف الهمزة التي بعد اللام و إلقاءحركتها على اللام.
و أما قوله: ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ
فهو عطف على الفعل المضمر قبل آلْآنَ والتقدير: قيل: آلان و قد كنتم به تستعجلونثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد.
و أما قوله تعالى: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّابِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ففيه ثلاثمسائل:
كأن سائلا يسأل يقول: يا رب العزة أنتالغني عن الكل فكيف يليق برحمتك هذاالتشديد و الوعيد، فهو تعالى يقول: «أنا ماعاملته بهذه المعاملة ابتداء بل هذا وصلإليه جزاء على عمله الباطل» و ذلك يدل علىأن جانب الرحمة راجح غالب، و جانب العذابمرجوح مغلوب.
أما عند الفلاسفة فهو أثر العمل، لأنالعمل الصالح يوجب تنوير القلب، و إشراقهإيجاب العلة معلولها و أما عند المعتزلةفلأن العمل الصالح يوجب استحقاق الثوابعلى اللَّه تعالى و أما عند أهل السنة،فلأن ذلك الجزاء واجب بحكم الوعد المحض.
و عندنا أن كونه مكتسبا معناه أن مجموعالقدرة مع الداعية الخالصة يوجب الفعل والمسألة الطويلة معروفة بدلائلها.
وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْإِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ماأَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَ لَوْ أَنَّلِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِيالْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَ أَسَرُّواالنَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْلا يُظْلَمُونَ (54)
اعلم أنه سبحانه أخبر عن الكفار بقوله: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْكُنْتُمْ صادِقِينَ [يونس: 48].
و أجاب عنه بما تقدم فحكى عنهم أنهم رجعواإلى الرسول مرة أخرى في عين هذه الواقعة وسألوه عن ذلك السؤال مرة أخرى و قالوا: أَحَقٌّ هُوَ و اعلم أن هذا السؤال جهل محضمن وجوه: أولها: أنه قد تقدم هذا السؤال معالجواب فلا يكون في الإعادة فائدة. وثانيها: أنه تقدم ذكر الدلالة العقلية علىكون محمد رسولا من عند اللَّه، و هو بيانكون القرآن معجزا، و إذا صحت نبوته لزمالقطع بصحة كل ما يخبر عن وقوعه، فهذهالمعاني توجب الإعراض عنهم، و تركالالتفات إلى سؤالهم، و اختلفوا في الضميرفي قوله: أَ حَقٌّ هُوَ قيل: أحق ما جئتنابه من القرآن و النبوة و الشرائع. و قيل: ماتعدنا من البعث و القيامة. و قيل: ما تعدنامن نزول العذاب علينا في الدنيا.
ثم إنه تعالى أمره أن يجيبهم بقوله: قُلْإِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ و الفائدةفيه أمور: أحدها: أن يستمليهم و يتكلم معهمبالكلام المعتاد و من الظاهر أن من أخبر عنشيء، و أكده بالقسم فقد أخرجه عن الهزل وأدخله في باب الجد. و ثانيها: أن الناسطبقات فمنهم من لا يقر بالشيء إلابالبرهان الحقيقي، و منهم من لا ينتفعبالبرهان الحقيقي، بل ينتفع بالأشياءالإقناعية، نحو القسم فإن الأعرابي الذيجاء الرسول عليه السلام، و سأل عن نبوته ورسالته اكتفى في تحقيق تلك الدعوى بالقسم،فكذا ههنا.