فيه أن مشاهدتهم تذكر أمر الآخرة لمايشاهد فيهم من آيات الخشوع و الخضوع، و لماذكر اللَّه تعالى سبحانه في قوله:سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِالسُّجُودِ [الفتح: 29] و أما الأثر، فقالأبوبكر الأصم: أولياء اللَّه هم الذينتولى اللَّه تعالى هدايتهم بالبرهان وتولوا القيام بحق عبودية اللَّه تعالى والدعوة إليه، و أما المعقول فنقول:
ظهر في علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام و الياء يدل على معنى القرب، فولى كلشيء هو الذي يكون قريبا منه، و القرب مناللَّه تعالى بالمكان و الجهة محال،فالقرب منه إنما يكون إذا كان القلبمستغرقا في نور معرفة اللَّه تعالىسبحانه، فإن رأى رأى دلائل قدرة اللَّه، وإن سمع سمع آيات اللَّه و إن نطق نطقبالثناء على اللَّه، و إن تحرك تحرك تحركفي خدمة اللَّه، و إن اجتهد اجتهد في طاعةاللَّه، فهنالك يكون في غاية القرب مناللَّه، فهذا الشخص يكون و ليا للَّهتعالى، و إذا كان كذلك كان اللَّه تعالى وليا له أيضا كما قال اللَّه تعالى: اللَّهُوَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْمِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257] و يجب أن يكون الأمر كذلك، لأن القرب لايحصل إلا من الجانبين. و قال المتكلمون: ولي اللَّه من يكون آتيا بالاعتقاد الصحيحالمبني على الدليل و يكون آتيا بالأعمالالصالحة على و فق ما و ردت به الشريعة،فهذا كلام مختصر في تفسير الولي.
و أما قوله تعالى في صفتهم: لا خَوْفٌعَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ ففيهبحثان:
أن الخوف إنما يكون فيالمستقبل
بمعنى أنه يخاف حدوث شيء في المستقبل منالمخوف، و الحزن إنما يكون على الماضي إمالأجل أنه كان قد حصل في الماضي ما كرهه أولأنه فات شيء أحبه.
قال بعض المحققين: إن نفيالحزن و الخوف إما أن يحصل للأولياء حالكونهم في الدنيا أو حال انتقالهم إلىالآخرة
و الأول باطل لوجوه: أحدها: أن هذا لا يحصلفي دار الدنيا لأنها دار خوف و حزن والمؤمن خصوصا لا يخلو من ذلك على ما قالهالرسول عليه الصلاة و السلام: «الدنيا سجنالمؤمن و جنة الكافر» و على ما قال: «حفتالجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات» وثانيها: أن المؤمن، و إن صفا عيشه فيالدنيا، فإنه لا يخلو من هم بأمر الآخرةشديد، و حزن على ما يفوته من القيام بطاعةاللَّه تعالى، و إذا بطل هذا القسم وجب حملقوله تعالى: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاهُمْ يَحْزَنُونَ على أمر الآخرة، فهذاكلام محقق، و قال بعض العارفين: إن الولايةعبارة عن القرب، فولي اللَّه تعالى هوالذي يكون في غاية القرب من اللَّه تعالى،و هذا التقرير قد فسرناه باستغراقه فيمعرفة اللَّه تعالى بحيث لا يخطر بباله فيتلك اللحظة شيء مما سوى اللَّه، ففي هذهالساعة تحصل الولاية التامة، و متى كانتهذه الحالة حاصلة فإن صاحبها لا يخافشيئا، و لا يحزن بسبب شيء، و كيف يعقل ذلكو الخوف من الشيء و الحزن على الشيء لايحصل إلا بعد الشعور به، و المستغرق في نورجلال اللَّه غافل عن كل ما سوى اللَّهتعالى، فيمتنع أن يكون له خوف أو حزن؟ وهذه درجة عالية، و من لم يذقها لم يعرفها،ثم إن صاحب هذه الحالة قد تزول عنه الحالة،و حينئذ يحصل له الخوف و الحزن و الرجاء والرغبة و الرهبة بسبب الأحوال الجسمانية،كما يحصل لغيره، و سمعت أن إبراهيم الخواصكان بالبادية و معه و احد يصحبه، فاتفق فيبعض الليالي ظهور حالة قوية و كشف تام له،فجلس في موضعه و جاءت السباع و و قفوابالقرب منه، و المريد تسلق على رأس شجرةخوفا منها و الشيخ ما كان فازعا من تلكالسباع، فلما أصبح و زالت تلك الحالة ففيالليلة الثانية و قعت بعوضة على يده فأظهرالجزع من تلك