فإن قيل: لم بعثه معهم و قد شاهد ما شاهد.
قلنا: لوجوه: أحدها: أنهم كبروا و مالواإلى الخير و الصلاح، و ثانيها: أنه كانيشاهد أنه ليس بينهم و بين بنيامين منالحسد و الحقد مثل ما كان بينهم و بين يوسفعليه السلام، و ثالثها: أن ضرورة القحطأحوجته إلى ذلك، و رابعها: لعله تعالى أوحىإليه و ضمن حفظه و إيصاله إليه.
فإن قيل: هل يدل قوله: فَاللَّهُ خَيْرٌحافِظاً على أنه أذن في ذهاب ابنه بنيامينفي ذلك الوقت.
قلنا: الأكثرون قالوا: يدل عليه. و قالآخرون: لا يدل عليه. و فيه وجهان: الأول:التقدير أنه لو أذن في خروجه معهم لكان فيحفظ اللَّه لا في حفظهم. الثاني: أنه لماذكر يوسف قال: فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاًأي ليوسف لأنه كان يعلم أنه حي.
وَ لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوابِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوايا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنارُدَّتْ إِلَيْنا وَ نَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَ نَزْدادُ كَيْلَبَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)
اعلم أن المتاع ما يصلح لأن يستمتع به و هوعام في كل شيء، و يجوز أن يراد به ههناالطعام الذي حملوه، و يجوز أن يراد بهأوعية الطعام.
ثم قال: وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْإِلَيْهِمْ و اختلف القراء في رُدَّتْفالأكثرون بضم الراء، و قرأ علقمة بكسرالراء. قال صاحب «الكشاف»: كسرة الدالالمدغمة نقلت إلى الراء كما في قيل و بيع. وحكى قطرب أنهم قالوا في قولنا: ضرب زيد علىنقل كسرة الراء فيمن سكنها إلى الضاد. وأما قوله: ما نَبْغِي ففي كلمة (ما) قولان:
القول الأول: أنها للنفي، و على هذاالتقدير ففيه وجوه: الأول: أنهم كانوا قد وصفوا يوسف بالكرم و اللطف و قالوا: إناقدمنا على رجل في غاية الكرم أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من آل يعقوبلمافعل ذلك، فقولهم: ما نَبْغِي أي بهذاالوصف الذي ذكرناه كذبا و لا ذكر شيء لميكن. الثاني: أنه بلغ في الإكرام إلى غايةما و راءها شيء آخر، فإنه بعد أن بالغ فيإكرامنا أمر ببضاعتنا فردت إلينا. الثالث:المعنى أنه رد بضاعتنا إلينا، فنحن لانبغي منك عند رجوعنا إليه بضاعة أخرى، فإنهذه التي معنا كافية لنا.
و القول الثاني: أن كلمة «ما» ههناللاستفهام، و المعنى: لما رأوا أنه ردإليهم بضاعتهم قالوا: ما نبغي بعد هذا، أيأعطانا الطعام، ثم رد علينا ثمن الطعامعلى أحسن الوجوه، فأي شيء نبغي و راءذلك؟
و اعلم أنا إذا حملنا «ما» على الاستفهامصار التقدير أي شيء نبغي فوق هذا الإكرامإن الرجل رد دراهمنا إلينا فإذا ذهبناإليه نمير أهلنا و نحفظ أخانا و نزداد كيلبعير بسبب حضور أخينا. قال الأصمعي: يقالماره يميره ميرا إذا أتاه بميرة أي بطعام ومنه يقال: ما عنده خير و لا مير و قوله: وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ معناه: أن يوسفعليه السلام كان يكيل لكل رجل حمل بعيرفإذا حضر أخوه فلا بد و أن يزداد ذلكالحمل، و أما إذا حملنا كلمة «ما» علىالنفي كان المعنى لا نبغي شيئا آخر هذهبضاعتنا ردت إلينا فهي كافية لثمن الطعامفي الذهاب الثاني، ثم نفعل كذا و كذا.