ذكر ذلك النداء على سبيل الاستفهام، و علىهذا التقدير يخرج عن أن يكون كذبا. الرابع:ليس في القرآن أنهم نادوا بذلك النداء عنأمر يوسف عليه السلام و الأقرب إلى ظاهرالحال أنهم فعلوا ذلك من أنفسهم لأنهم لماطلبوا السقاية و ما وجدوها و ما كان هناكأحد إلا هم غلب على ظنونهم أنهم هم الذينأخذوها ثم إن إخوة يوسف قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَو قرأ أبو عبد الرحمن السلمي تَفْقِدُونَمن أفقدته إذا وجدته فقيدا قالوا تفقدصواع الملك. قال صاحب «الكشاف»: قرىءصواع و صاع و صوع و صوع بفتح الصاد و ضمها،و العين معجمة و غير معجمة. قال بعضهم جمعصواع صيعان، كغراب و غربان، و جمع صاعأصواع، كباب و أبواب. و قال آخرون: لا فرقبين الصاع و الصواع، و الدليل عليه قراءةأبي هريرة: قالوا نفقد صاع الملك و قالبعضهم: الصواع اسم، و السقاية وصف، كقولهم:كوز و سقاء، فالكوز اسم و السقاء وصف.
ثم قال: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُبَعِيرٍ أي من الطعام وَ أَنَا بِهِزَعِيمٌ قال مجاهد: الزعيم هو المؤذن الذيأذن. و تفسير زعيم كفيل. قال الكلبي: الزعيمالكفيل بلسان أهل اليمن. و روى أبو عبيدةعن الكسائي:
زعمت به تزعم زعما و زعامة. أي كفلت به، وهذه الآية تدل على أن الكفالة كانت صحيحةفي شرعهم، و قد حكم بها رسول اللَّه صلّىالله عليه وسلّم في قوله: «الزعيم غارم».
فإن قيل: هذه كفالة بشيء مجهول؟
قلنا: حمل بعير من الطعام كان معلوماعندهم، فصحت الكفالة به إلا أن هذه كفالةمال لرد سرقة، و هو كفالة بما لم يجب لأنهلا يحل للسارق أن يأخذ شيئا على رد السرقة،و لعل مثل هذه الكفالة كانت تصح عندهم.
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ماجِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَ ماكُنَّا سارِقِينَ (73) قالُوا فَماجَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (74)قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِيرَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَنَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)
قال البصريون: الواو في (و اللَّه) بدل منالتاء و التاء بدل من الواو فضعفت عنالتصرف في سائر الأسماء و جعلت فيما هو أحقبالقسم و هو اسم اللَّه عزوجل. قالالمفسرون: حلفوا على أمرين: أحدهما:
على أنهم ما جاؤا لأجل الفساد في الأرضلأنه ظهر من أحوالهم امتناعهم من التصرففي أموال الناس بالكلية لا بالأكل و لابإرسال الدواب في مزارع الناس، حتى رويأنهم كانوا قد سدوا أفواه دوابهم لئلاتعبث في زرع، و كانوا مواظبين على أنواعالطاعات، و من كانت هذه صفته فالفساد فيالأرض لا يليق به. و الثاني: أنهم ما كانواسارقين، و قد حصل لهم فيه شاهدا قاطع، و هوأنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم حملوهامن بلادهم إلى مصر و لم يستحلوا أخذها، والسارق لا يفعل ذلك ألبتة ثم لما بينوابراءتهم عن تلك التهمة قال أصحاب يوسفعليه السلام: فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْكاذِبِينَ فأجابوا و قالُوا جَزاؤُهُمَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَجَزاؤُهُ قال ابن عباس كانوا في ذلكالزمان يستعبدون كل سارق بسرقته و كاناستعباد السارق في شرعهم يجري مجرى وجوبالقطع في شرعنا، و المعنى جزاء هذا الجرممن وجد المسروق في رحله، أي ذلك الشخص هوجزاء ذلك الجرم، و المعنى: أن استعباده هوجزاء ذلك الجرم، قال الزجاج: و فيه وجهان:أحدهما: أن يقال جزاؤه