اعلم أنه قرأ حفص عن عاصم نُوحِي بالنون،و الباقون بالياء ا فلا يعقلون قرأ نافع وابن كثير و أبو عمرو، و رواية حفص عن عاصم:تَعْقِلُونَ بالتاء على الخطاب، والباقون: بالياء على الغائب.
و اعلم أن من جملة شبه منكري نبوته عليهالصلاة و السلام أن اللَّه لو أراد إرسالرسول لبعث ملكا، فقال تعالى: وَ ماأَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًانُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرىفلما كان الكل هكذا فكيف تعجبوا في حقك يامحمد و الآية تدل على أن اللَّه ما بعثرسولا إلى الحق من النسوان و أيضا لم يبعثرسولا من أهل البادية. قال عليه الصلاة والسلام: «من بدا جفا و من اتبع الصيد غفل».
ثم قال: أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِيالْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا إلى مصارع الأممالمكذبة و قوله: وَ لَدارُ الْآخِرَةِخَيْرٌ و المعنى دار الحالة الآخرة، لأنللناس حالتين حال الدنيا و حال الآخرة، ومثله قوله صلاة الأولى أي صلاة الفريضةالأولى، و أما بيان أن الآخرة خير منالأولى فقد ذكرنا دلائله مرارا.
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواجاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُوَ لا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِالْمُجْرِمِينَ (110)
اعلم أنه قرأ عاصم و حمزة و الكسائيكُذِبُوا بالتخفيف، و كسر الذال و الباقونبالتشديد، و معنى التخفيف من وجهين:أحدهما: أن الظن واقع بالقوم، أي حتى إذااستيأس الرسل من إيمان القوم فظن القوم أنالرسل كذبوا فيما وعدوا من النصر و الظفر.
فإن قيل: لم يجر فيما سبق ذكر المرسل إليهمفكيف يحسن عود هذا الضمير إليهم.
قلنا: ذكر الرسل يدل على المرسل إليهم و إنشئت قلت أن ذكرهم جرى في قوله: أَ فَلَمْيَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُواكَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْقَبْلِهِمْ [يوسف: 109] فيكون الضمير عائداإلى الذين من قبلهم من مكذبي الرسل و الظنههنا بمعنى التوهم و الحسبان.
و الوجه الثاني: أن يكون المعنى أن الرسلظنوا أنهم قد كذبوا فيما و عدوا و هذاالتأويل منقول عن ابن أبي مليكة عن ابنعباس رضي اللَّه عنهما قالوا: و إنما كانالأمر كذلك لأجل ضعف البشرية إلا أنهبعيد، لأن المؤمن لا يجوز أن يظن باللَّهالكذب، بل يخرج بذلك عن الإيمان فكيف يجوزمثله على الرسل، و أما قراءة التشديدففيها وجهان: الأول: أن الظن بمعنى اليقين،أي و أيقنوا أن الأمم كذبوهم تكذيبا لايصدر منهم الإيمان بعد ذلك، فحينئذ دعواعليهم فهنالك أنزل اللَّه سبحانه عليهمعذاب و الاستئصال، و ورود الظن بمعنىالعلم كثير في القرآن قال تعالى:الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْمُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة: 46] أي يتيقنونذلك. و الثاني: أن يكون الظن بمعنى الحسبانو التقدير حتى إذا استيأس الرسل من إيمانقومهم فظن الرسل أن الذين آمنوا بهمكذبوهم و هذا التأويل منقول عن عائشة رضياللَّه عنها، و هو أحسن الوجوه المذكورةفي الآية، روي أن ابن أبي مليكة نقل عن ابنعباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: و ظن الرسلأنهم كذبوا، لأنهم كانوا بشرا أ لا ترى إلىقوله:
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَآمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ[البقرة: 214] قال فذكرت ذلك لعائشة رضياللَّه عنها