الثاني: ساءه مجيئهم لأنه ما كان يجد ماينفقه عليهم و ما كان قادرا على القيام بحقضيافتهم. و الثالث: ساءه ذلك لأن قومهمنعوه من إدخال الضيف داره. الرابع: ساءهمجيئهم، لأنه عرف بالحذر أنهم ملائكة وأنهم إنما جاؤا لإهلاك قومه، و الوجهالأول هو الأصح لدلالة قوله تعالى: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ[هود: 78] و بقي في الآية ألفاظ ثلاثة لا بدمن تفسيرها:
اللفظ الأول: قوله: سِيءَ بِهِمْ و معناهساء مجيئهم و ساء يسوء فعل لازم مجاوز يقالسؤته فسيء مثل شغلته فشغل و سررته فسر.قال الزجاج: أصله سوىء بهم إلا أن الواوسكنت و نقلت كسرتها إلى السين.
و اللفظ الثاني: قوله: وَ ضاقَ بِهِمْذَرْعاً قال الأزهري: الذرع يوضع موضعالطاقة و الأصل فيه البعير يذرع بيديه فيسيره ذرعا على قدر سعة خطوته، فإذا حملعليه أكثر من طاقته ضاق ذرعه عن ذلك فضعف ومد عنقه، فجعل ضيق الذرع عبارة عن قدرالوسع و الطاقة. فيقال: مالي به ذرع و لاذراع أي مالي به طاقة، و الدليل على صحة ماقلناه أنهم يجعلون الذراع في موضع الذرعفيقولون ضقت بالأمر ذراعا.
و اللفظ الثالث: قوله: هذا يَوْمٌ عَصِيبٌأي يوم شديد، و إنما قيل للشديد عصيب لأنهيعصب الإنسان بالشر.
وَ جاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَإِلَيْهِ وَ مِنْ قَبْلُ كانُوايَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِهؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْفَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِيضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌرَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مالَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّكَلَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّلِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلىرُكْنٍ شَدِيدٍ (80)
[في قوله تعالى وَ جاءَهُ قَوْمُهُيُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَ مِنْ قَبْلُكانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ]
و فيه مسائل:
القول الأول: أن هذا من باب ما جاءت صيغةالفاعل فيه على لفظ المفعول و لا يعرف لهفاعل نحو: أولع فلان في الأمر، و أرعد زيد،و زهى عمرو من الزهو.
و القول الثاني: أنه لا يجوز ورود الفاعلعلى لفظ المفعول، و هذه الأفعال حذففاعلوها فتأويل أولع زيد أنه أولعه طبعه وأرعد الرجل أرعده غضبه و زهى عمرو معناهجعله ماله زاهيا و أهرع معناه أهرعه خوفهأو حرصه، و اختلفوا أيضا فقال بعضهم:الإهراع هو الإسراع مع الرعدة. و قالآخرون: هو العدو الشديد.
أما قوله تعالى: قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِبَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ففيهقولان: قال قتادة: المراد بناته لصلبه.