و هو معرفة غرض المتكلم من كلامه و احتجوابهذه الآية و هي قوله: ما نَفْقَهُكَثِيراً مِمَّا تَقُولُ فأضاف الفقه إلىالقول ثم صار اسما لنوع معين من علومالدين، و منهم من قال: إنه اسم لمطلق الفهم.يقال: أوتي فلان فقها في الدين، أي فهما. وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من يرداللَّه به خيرا يفقهه في الدين» أي يفهمهتأويله.
و النوع الثاني: من الأشياء التي ذكروهاقولهم: وَ إِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً
و فيه وجهان: الأول: أنه الضعيف الذي يتعذرعليه منع القوم عن نفسه، و الثاني: أنالضعيف هو الأعمى بلغة حمير. و اعلم أن هذاالقول ضعيف لوجوه: الأول: أنه ترك للظاهرمن غير دليل، و الثاني: أن قوله: فِينا يبطلهذا الوجه ألا ترى أنه لو قال: إنا لنراكأعمى فينا كان فاسدا، لأن الأعمى أعمىفيهم و في غيرهم، الثالث: أنهم قالوا بعدذلك وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَفنفوا عنه القوة التي أثبتوها في رهطه، ولما كان المراد بالقوة التي أثبتوها للرهطهي النصرة، وجب أن تكون القوة التي نفوهاعنه هي النصرة، و الذين حملوا اللفظ علىضعف البصر لعلهم إنما حملوه عليه، لأنهسبب للضعف.
و اعلم أن أصحابنا يحوزون العمى علىالأنبياء، إلا أن هذا اللفظ لا يحسنالاستدلال به في إثبات هذا المعنى لمابيناه. و أما المعتزلة فقد اختلفوا فيهفمنهم من قال: إنه لا يجوز لكونه متعبدافإنه لا يمكنه الاحتراز عن النجاسات، ولأنه ينحل بجواز كونه حاكما و شاهدا، فلأنيمنع من النبوة كان أولى، و الكلام فيه لايليق بهذه الآية، لأنا بينا أن الآية لادلالة فيها على هذا المعنى.
و النوع الثالث: من الأشياء التي ذكروهاقولهم: وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَو فيه مسألتان:
و قيل إلى السبعة، و قد كان رهطه علىملتهم. قالوا لو لا حرمة رهطك عندنا بسببكونهم على ملتنا لرجمناك، و المقصود منهذا الكلام أنهم بينوا أنه لا حرمة لهعندهم، و لا وقع له في صدورهم، و أنهم إنمالم يقتلوه لأجل احترامهم رهطه.
و ذلك قد يكون بالحجارة عند قصد القتل، ولما كان هذا الرجم سببا للقتل لا جرم سمواالقتل رجما، و قد يكون بالقول الذي هوالقذف، كقوله: رَجْماً بِالْغَيْبِ[الكهف: 22] و قوله: وَ يَقْذِفُونَبِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [سبأ: 53]و قد يكون بالشتم و اللعن، و منه قوله:
الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النحل: 98] و قديكون بالطرد كقوله: رُجُوماًلِلشَّياطِينِ [الملك: 5].
إذا عرفت هذا ففي الآية وجهان: الأول:لَرَجَمْناكَ لقتلناك. الثاني: لشتمناك وطردناك.
النوع الرابع: من الأشياء التي ذكروهاقولهم: وَ ما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ
و معناه أنك لما لم تكن علينا عزيزا سهلعلينا الإقدام على قتلك و إيذائك.
و اعلم أن كل هذه الوجوه التي ذكروها ليستدافعا لما قرره شعيب عليه السلام منالدلائل و البينات، بل هي جارية مجرىمقابلة الدليل و الحجة بالشتم و السفاهة.
قالَ يا قَوْمِ أَ رَهْطِي أَعَزُّعَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّاإِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(92) وَ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلىمَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَتَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌيُخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)