مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 18 -صفحه : 172/ 45
نمايش فراداده

الإنسان إذا عظم غمه انحصر روح قلبه فيداخل القلب فإذا انحصر الروح قويت الحرارةو عظمت و عند ذلك يحتاج الإنسان إلى النفسالقوي لأجل أن يستدخل هواء كثيرا بارداحتى يقوى على ترويح تلك الحرارة، فلهذاالسبب يعظم في ذلك الوقت استدخال الهواءفي داخل البدن و حينئذ يرتفع صدره و ينتفخجنباه، و لما كانت الحرارة الغريزية والروح الحيواني محصورا في داخل القلباستولت البرودة على الأعضاء الخارجةفربما عجزت آلات النفس عن دفع ذلك الهواءالكثير المستنشق فيبقى ذلك الهواء الكثيرمنحصرا في الصدر و يقرب من أن يختنقالإنسان منه و حينئذ تجتهد الطبيعة فيإخراج ذلك الهواء فعلى قياس قول الأطباءالزفير هو استدخال الهواء الكثير لترويحالحرارة الحاصلة في القلب بسبب انحصارالروح فيه، و الشهيق هو إخراج ذلك الهواءعند مجاهدة الطبيعة في إخراجه و كل و احدةمن هاتين الحالتين تدل على كرب شديد و غمعظيم.

الوجه الثاني: في الفرق بين الزفير والشهيق.

قال بعضهم: الزفير بمنزلة ابتداء صوتالحمار بالنهيق.

و أما الشهيق فهو بمنزلة آخر صوت الحمار.

الوجه الثالث:

قال الحسن: قد ذكرنا أن الزفير عبارة عنالارتفاع. فنقول: الزفير لهيب جهنم يرفعهمبقوته حتى إذا و صلوا إلى أعلى درجات جهنمو طمعوا في أن يخرجوا منها ضربتهمالملائكة بمقامع من حديد و يردونهم إلىالدرك الأسفل من جهنم، و ذلك قوله تعالى:كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهاأُعِيدُوا فِيها فارتفاعهم في النار هوالزفير و انحطاطهم مرة أخرى هو الشهيق.

الوجه الرابع:

قال أبو مسلم: الزفير ما يجتمع في الصدر منالنفس عند البكاء الشديد فينقطع النفس، والشهيق هو الذي يظهر عند اشتداد الكربة والحزن، و ربما تبعهما الغشية، و ربما حصلعقيبه الموت.

الوجه الخامس:

قال أبو العالية: الزفير في الحلق والشهيق في الصدر.

الوجه السادس:

قال قوم: الزفير الصوت الشديد، و الشهيقالصوت الضعيف.

الوجه السابع:

قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: لَهُمْفِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ يريد ندامة ونفسا عالية و بكاء لا ينقطع و حزنا لايندفع.

الوجه الثامن:

الزفير مشعر بالقوة، و الشهيق بالضعف علىما قررناه بحسب اللغة.

إذا عرفت هذا فنقول: لم يبعد أن يكونالمراد من الزفير قوة ميلهم إلى عالمالدنيا و إلى اللذات الجسدانية، و المرادمن الشهيق ضعفهم عن الاستسعاد بعالمالروحانيات و الاستكمال بالأنوار الإلهيةو المعارج القدسية.

ثم قال تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِالسَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَرَبُّكَ‏

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: قال قوم إن عذاب الكفارمنقطع و لها نهاية، و احتجوا بالقرآن والمعقول. أما القرآن فآيات منها هذه الآيةو الاستدلال بها من وجهين: الأول: أنهتعالى قال: ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ دل هذا النص على أن مدة عقابهممساوية لمدة بقاء السموات و الأرض، ثمتوافقنا على أن مدة بقاء السموات و الأرضمتناهية فلزم أن تكون مدة عقاب الكفارمنقطعة. الثاني: أن قوله: إِلَّا ما شاءَرَبُّكَ استثناء من مدة عقابهم و ذلك يدلعلى زوال ذلك العذاب في وقت هذا الاستثناءو مما تمسكوا به أيضا قوله تعالى في سورةعم يتساءلون: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً[النبأ: 23] بين تعالى أن لبثهم في ذلكالعذاب لا يكون إلا أحقابا معدودة.