شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 110
نمايش فراداده

خطبه 045-گذرگاه دنيا

الشرح:

منى لها الفناء، اى قدر.

و الجلاء، بفتح الجيم: الخروج عن الوطن، قال سبحانه: (و لولا ان كتب الله عليهم الجلاء).

و حلوه خضره، ماخوذ من قول رسول الله (ص): (ان الدنيا حلوه خضره، و ان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون).

و الكفاف من الرزق: قدر القوت، و هو ما كف عن الناس، اى اغنى.

و البلاغ و البلغه من العيش: ما يتبلغ به.

و اعلم ان هذا الفصل يشتمل على فصلين من كلام اميرالمومنين (ع): احدهما حمد الله و الثناء عليه الى قوله: (و لاتفقد له نعمه)، و الفصل الثانى ذكر الدنيا الى آخر الكلام.

و احدهما غير مختلط بالاخر و لا منسوق عليه، و لكن الرضى رحمه الله تعالى يلتقط كلام اميرالمومنين (ع) التقاطا، و لا يقف مع الكلام المتوالى، لان غرضه ذكر فصاحته (ع) لا غير، و لو اتى بخطبه كلها على وجهها لكانت اضعاف كتابه الذى جمعه.

(فصل بلاغى فى الموازنه و السجع) فاما الفصل الاول، فمشتمل من علم البيان على باب كبير يعرف بالموازنه، و ذلك (غير مقنوط) فانه وازنه فى الفقره الثانيه بقوله: (و لامخلو) الا ترى ان كل واحده منهما على وزن (مفعول)، ثم قال فى الفقره الثالثه: (و لا مايوس)، فجاء بها على وزن (مفعول) ايضا، و لم يمك نه فى الفقره الرابعه ما امكنه فى الاولى، فقال: (و لامستنكف) فجاء به على وزن (مستفعل) و هو و ان كان خارجا عن الوزن، فانه غير خارج عن المفعوليه، لان (مستفعل) (مفعول) فى الحقيقه، كقولك: زيد مستحسن، الا ترى ان (مستحسنا) من استحسنه، فهو ايضا غير خارج عن المفعوليه.

ثم وازن (ع) بين قوله: (لاتبرح) و قوله: (لاتفقد)، و بين (رحمه) و (نعمه)، فاعطت هذه الموازنات الكلام من الطلاوه و الصنعه ما لاتجده عليه لو قال: (الحمد لله غير مخلو من نعمته، و لا مبعد من رحمته) لان (مبعد) بوزن (مفعل)، و هو غير مطابق و لا مماثل لمفعول، بل هو بناء آخر.

و كذلك لو قال: (لاتزول منه رحمه)، فان (تزول) ليست فى المماثله و الموازنه ل (تفقد) ك (تبرح) الا ترى انها معتله، و تلك صحيحه! و كذلك لو قال: (لاتبرح منه رحمه و لايفقد له انعام) فان (انعاما) ليس فى وزن (رحمه)، و الموازنه مطلوبه فى الكلام الذى يقصد فيه الفصاحه، لاجل الاعتدال الذى هو مطلوب الطبع فى جميع الاشياء.

و الموازنه اعم من السجع، لان السجع تماثل اجزاء الفواصل لو اوردها على حرف واحد، نحو القريب، و الغريب، و النسيب، و ما اشبه ذلك.

و اما الموازنه فنحو القريب و الشديد، و الجليل، و ما كان على هذ ا الوزن و ان لم يكن الحرف الاخر بعينه واحدا، و كل سجع موازنه، و ليس كل موازنه سجعا، و مثال الموازنه فى الكتاب العزيز: (و آتيناهما الكتاب المستبين و هديناهما الصراط المستقيم) و قوله تعالى: (ليكونوا لهم عزا)، ثم قال: (و يكونون عليهم ضدا)، ثم قال: (توزهم ازا) ثم قال: (نعد لهم عدا) فهذه الموازنه.

و مما جاء من المثال فى الشعر قوله: باشدهم باسا على اعدائهم و اعزهم فقدا على الاصحاب فقوله: (و اعزهم) بازاء (اشدهم)، و قوله: (فقدا) بازاء (باسا).

و الموازنه كثيره فى الكلام و هى فى كتاب الله تعالى اكثر.

(نبذ من كلام الحكماء فى مدح القناعه و ذم الطمع) فاما الفصل الثانى فيشتمل على التحذير من الدنيا، و على الامر بالقناعه، و الرضا بالكفاف، فاما التحذير من الدنيا فقد ذكرنا و نذكر منه ما يحضرنا، و اما القناعه فقد ورد فيها شى ء كثير.

قال رسول الله (ص) لاخوين من الانصار: (لاتيئسا من روح الله ما تهزهزت روسكما، فان احدكم يولد لا قشر عليه، ثم يكسوه الله و يرزقه).

و عنه (ص) و يعزى الى اميرالمومنين (ع)،: (القناعه كنز لاينفد).

و ما يقال انه من كلام لقمان الحكيم: (كفى بالقناعه عزا، و بطيب النفس نعيما).

و من كلام عيسى (ع): اتخذو ا البيوت منازل، و المساجد مساكن، و كلوا من بقل البريه، و اشربوا من الماء القراح، و اخرجوا من الدنيا بسلام.

لعمرى لقد انقطعتم الى غير الله فما ضيعكم، افتحافون الضيعه اذا انقطعتم اليه! و فى بعض الكتب الالهيه القديمه: يقول الله تعالى: يابن آدم، اتخاف ان اقتلك بطاعتى هزلا، و انت تتفتق بمعصيتى سمنا! قال ابووائل: ذهبت انا و صاحب لى الى سلمان الفارسى، فجلسنا عنده، فقال: لولا ان رسول الله (ص) نهى عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاء بخبز و ملح ساذج لا ابزار عليه، فقال صاحبى: لو كان لنا فى ملحنا هذا سعتر! فبعث سلمان بمطهرته، فرهنها على سعتر، فلما اكلنا قال صاحبى: الحمد لله الذى قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت بما رزقك لم تكن مطهرتى مرهونه.

عباد بن منصور: لقد كان بالبصره من هو افقه من عمرو بن عبيد و افصح، و لكنه كان اصبرهم عن الدينار و الدرهم، فساد اهل البصره.

قال خالد بن صفوان لعمرو بن عبيد: لم لاتاخذ منى؟ فقال: لاياخذ احد من احد الا ذل له، و انا اكره ان اذل لغير الله.

كان معاش عمرو بن عبيد من دار ورثها، كان ياخذ اجرتها فى كل شهر دينارا واحدا فيتبلغ به.

الخليل بن احمد: كان الناس يكتسبون الرغائب بعلمه، و هو بين اخصاص الب صره، لايلتفت الى الدنيا و لايطلبها.

وهب بن منبه: ارملت مره حتى كدت اقنط، فاتانى آت فى المنام و معه شبه لوزه، فقال: افضض، ففضضتها، فاذا حريره فيها ثلاثه اسطر: لاينبغى لمن عقل عن الله امره، و عرف لله عدله، ان يستبطى ء الله فى رزقه، فقنعت و صبرت، ثم اعطانى الله فاكثر.

قيل للحسن (ع): ان اباذر كان يقول: الفقر احب الى من الغنى، و السقم احب الى من الصحه، فقال: رحم الله اباذر، اما انا فاقول: من اتكل الى حسن الاختيار من الله لم يتمن انه فى غير الحال التى اختارها الله له، لعمرى يابن آدم، الطير لاتاكل رغدا، و لاتخبا لغد، و انت تاكل رغدا و تخبا لغد، فالطير احسن ظنا منك بالله عز و جل.

حبس عمر بن عبدالعزيز الغذاء عن مسلمه، حتى برح به الجوع، ثم دعا بسويق فسقاه، فلما فرغ منه لم يقدر على الاكل، فقال: يا مسلمه، اذا كفاك من الدنيا ما رايت، فعلام التهافت فى النار! عبدالواحد بن زيد: ما احسب شيئا من الاعمال يتقدم الصبر الا الرصا و القناعه، و لا اعلم درجه ارفع من الرضا، و هو راس المحبه.

قال ابن شبرمه فى محمد بن واسع: لو ان انسانا اكتفى بالتراب لاكتفى به.

يقال من جمله ما اوحى الله تعالى الى موسى (ع)، قل لعبادى المتسخطين لرزقى، اياكم ان اغضب فابسط عليكم الدنيا.

كان لبعض الملوك نديم، فسكر، ففاتته الصلاه، فجاءت جاريه له بجمره نار، فوضعتها على رجله، فانتبه مذعورا، فقالت: انك لم تصبر على نار الدنيا، فكيف تصبر على نار الاخره! فترك الدنيا و انقطع الى العباده، و قعد يبيع البقل، فدخل عليه الفضيل و ابن عيينه، فاذا تحت راسه لبنه، و ليس تحت جنبه حصير، فقالا له: انا روينا انه لم يدع احد شيئا لله الا عوضه خيرا منه، فما عوضك؟ قال: القناعه و الرضا بما انا فيه.

اصابت داود الطائى ضائقه شديده، فجاء حماد بن ابى حنيفه باربعمائه درهم من تركه ابيه، فقال داود: هى لعمرى من مال رجل ما اقدم عليه احدا فى زهده و ورعه و طيب كسبه، و لو كنت قابلا من احد شيئا لقبلتها اعظاما للميت، و ايجابا للحى، و لكنى احب ان اعيش فى عز القناعه.

سفيان الثورى: ما اكلت طعام احد قط الا هنت عليه.

مسعر بن كدام: من صبر على الخل و البقل لم يستعبد.

فضيل: اصل الزهد الرضا بما رزقك الله، الا تراه كيف يصنع بعبده ما تصنع الوالده الشفيقه بولدها! تطعمه مره خبيصا، و مره صبرا، تريد بذلك ما هو اصلح له.

المسيح (ع): انا الذى كببت الدنيا على وجهها، و قدرتها بقدرها، ليس لى ولد يموت، و لا بيت يخرب، وسادى الح