شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ارث بن كعب الازدى، عن عمه عبدالله بن قعين الازدى، قال: كان الخريت بن راشد الناجى، احد بنى ناجيه، قد شهد مع على (ع) صفين، فجاء الى على (ع) بعد انقضاء صفين، و بعد تحكيم الحكمين فى ثلاثين من اصحابه، يمشى بينهم حتى قام بين يديه، فقال: لا و الله لااطيع امرك، و لا اصلى خلفك، و انى غدا لمفارق لك، فقال له: ثكلتك امك! اذا تنقض عهدك، و تعصى ربك، و لاتضر الا نفسك، اخبرنى لم تفعل ذلك! قال: لانك حكمت فى الكتاب، و ضعفت عن الحق اذ جد الجد، و ركنت الى القوم الذين ظلموا انفسهم، فانا عليك راد، و عليهم ناقم، و لكم جميعا مباين.

فقال له على (ع)، ويحك! هلم الى ادارسك و اناظرك فى السنن، و افاتحك امورا من الحق انا اعلم بها منك، فلعلك تعرف ما انت الان له منكر، و تبصر ما انت الان عنه عم و به جاهل، فقال الخريت: فانى غاد عليك غدا.

فقال على (ع): اغد و لايستهوينك الشيطان، و لايتقحمن بك راى السوء، و لايستخفنك الجهلاء الذين لايعلمون، فو الله ان استرشدتنى و استنصحتنى و قبلت منى لاهدينك سبيل الرشاد.

فخرج الخريت من عنده منصرفا الى اهله.

قال عبدالله بن قعين: فعجلت فى اثره مسرعا، و كان لى من بنى عمه صديق، فاردت ان القى ابن عمه فى ذلك، فاعلمه بما
كان من قوله لامير المومنين، و آمر ابن عمه ان يشتد بلسانه عليه، و ان يامره بطاعه اميرالمومنين و مناصحته، و يخبره ان ذلك خير له فى عاجل الدنيا و آجل الاخره.

قال: فخرجت حتى انتهيت الى منزله- و قد سبقنى- فقمت عند باب دار فيها رجال من اصحابه، لم يكونوا شهدوا معه دخوله على اميرالمومنين (ع)، فو الله ما رجع و لاندم على ما قال لامير المومنين و ما رد عليه، و لكنه قال لهم: يا هولاء، انى قد رايت ان افارق هذا الرجل، و قد فارقته على ان ارجع اليه من غد، و لاارى الا المفارقه، فقال له اكثر اصحابه: لاتفعل حتى تاتيه، فان اتاك بامر تعرفه قبلت منه، و ان كانت الاخرى فما اقدرك على فراقه! قال لهم: نعم ما رايتم، قال: فاستاذنت عليهم فاذنوا لى، فاقبلت على ابن عمه- و هو مدرك بن الريان الناجى، و كان من كبراء العرب- فقلت له: ان لك على حقا لاحسانك و ودك و حق المسلم على المسلم.

ان ابن عمك كان منه ما قد ذكر لك، فاخل به فاردد عليه رايه و عظم عليه ما اتى، و اعلم انى خائف ان فارق اميرالمومنين ان يقتلك و نفسه و عشيرته فقال: جزاك الله خيرا من اخ! ان اراد فراق اميرالمومنين (ع) ففى ذلك هلاكه، و ان اختار مناصحته و الاقامه معه ففى ذلك حظه و رشده.

قا
ل: فاردت الرجوع الى على (ع)، لاعلمه الذى كان، ثم اطماننت الى قول صاحبى، فرجعت الى منزلى، فبت ثم اصبحت، فلما ارتفع النهار اتيت اميرالمومنين (ع)، فجلست عنده ساعه، و انا اريد ان احدثه بالذى كان على خلوه، فاطلت الجلوس، و لايزداد الناس الا كثره، فدنوت منه، فجلست وراءه، فاصغى الى براسه، فاخبرته بما سمعته من الخريت، و ما قلت لابن عمه و ما رد على، فقال (ع): دعه، فان قبل الحق و رجع عرفنا له ذلك و قبلناه منه، فقلت: يا اميرالمومنين، فلم لا تاخذه الان فتستوثق منه؟ فقال: انا لو فعلنا هذا بكل من يتهم من الناس ملانا السجون منهم، و لاارانى يسعنى الوثوب بالناس و الحبس لهم و عقوبتهم حتى يظهروا لى الخلاف.

قال: فسكت عنه و تنحيت، فجلست مع اصحابى هنيهه، فقال لى (ع): ادن منى، فدنوت، فقال لى مسرا: اذهب الى منزل الرجل فاعلم ما فعل، فانه قل يوم لم يكن ياتينى فيه قبل هذه الساعه، فاتيت الى منزله، فاذا ليس فى منزله منهم ديار، فدرت على ابواب دور اخرى، كان فيها طائفه من اصحابه، فاذا ليس فيها داع و لامجيب فاقبلت الى اميرالمومنين (ع)، فقال لى حين رآنى: اوطنوا فاقاموا، ام جبنوا فظعنوا؟ قلت: لابل ظعنوا، فقال: ابعدهم الله كما بعدت ثمود! اما و
الله لو قد اشرعت لهم الاسنه، و صبت على هامهم السيوف، لقد ندموا، ان الشيطان قد استواهم و اضلهم، و هو غدا متبرى ء منهم، و مخل عنهم، فقام اليه زياد بن خصفه، فقال: يا اميرالمومنين، انه لو لم يكن من مضره هولاء الا فراقهم ايانا لم يعظم فقدهم علينا، فانهم قلما يزيدون فى عددنا لو اقاموا معنا، و قلما ينقصون من عددنا بخروجهم منا، و لكنا نخاف ان يفسدوا علينا جماعه كثيره ممن يقدمون عليهم من اهل طاعتك، فائذن لى فى اتباعهم حتى اردهم عليك ان شاءالله.

فقال له (ع): فاخرج فى آثارهم راشدا، فلما ذهب ليخرج قال له: و هل تدرى اين توجه القوم؟ قال: لا و الله، و لكنى اخرج فاسال و اتبع الاثر، فقال: اخرج رحمك الله حتى تنزل دير ابى موسى ثم لا تبرحه حتى ياتيك امرى، فانهم ان كانوا خرجوا ظاهرين بارزين للناس فى جماعه، فان عمالى ستكتب الى بذلك، و ان كانوا متفرقين مستخفين، فذلك اخفى لهم، و ساكتب الى من حولى من عمالى فيهم.

فكتب نسخه واحده و اخرجها الى العمال: من عبدالله على اميرالمومنين الى من قرى ء عليه كتابى هذا من العمال، اما بعد، فان رجالا لنا عندهم تبعه، خرجوا هرابا نظنهم خرجوا نحو بلاد البصره، فاسال عنهم اهل بلادك، و اجعل عليهم العيون فى
كل ناحيه من ارضك، ثم اكتب الى بما ينتهى اليك عنهم.

والسلام.

فخرج زياد بن خصفه حتى اتى داره، و جمع اصحابه فحمد الله، و اثنى عليه، ثم قال: يا معشر بكر بن وائل، ان اميرالمومنين ندبنى لامر من اموره مهم له، و امرنى بالانكماش فيه بالعشيره، حتى آتى امره، و انتم شيعته و انصاره، و اوثق حى من احياء العرب فى نفسه، فانتدبوا معى الساعه، و عجلوا.

فو الله ما كان الا ساعه حتى اجتمع اليه مائه و ثلاثون رجلا، فقال: اكتفينا لانريد اكثر من هولاء، فخرج حتى قطع الجسر، ثم اتى دير ابى موسى فنزله، فاقام به بقيه يومه ذلك، ينتظر امر اميرالمومنين (ع).

قال ابراهيم بن هلال: فحدثنى محمد بن عبدالله، عن ابن ابى سيف، عن ابى الصلت التيمى، عن ابى سعيد، عن عبدالله بن وال التيمى، قال: انى لعند اميرالمومنين اذا فيج قد جاءه يسعى بكتاب من قرظه بن كعب بن عمرو الانصارى- و كان احد عماله- فيه: لعبد الله على اميرالمومنين من قرظه بن كعب، سلام عليك، فانى احمد اليك الله الذى لا اله الا هو، اما بعد: فانى اخبر اميرالمومنين، ان خيلا مرت من قبل الكوفه متوجهه (نحو نفر) و ان رجلا من دهاقين اسفل الفرات قد اسلم و صلى، يقال له: زاذان فروخ، اقبل من عند اخوال له فلقوه
، فقالوا له: امسلم انت ام كافر؟ قال: بل مسلم، قالوا: فما تقول فى على؟ قال: اقول فيه خيرا، اقول: انه اميرالمومنين (ع) و سيد البشر و وصى رسول الله (ص).

فقالوا: كفرت يا عدو الله! ثم حملت عليه عصابه منهم، فقطعوه باسيافهم، و اخذوا معه رجلا من اهل الذمه يهوديا، فقالوا له: ما دينك؟ قال: يهودى، فقالوا: خلوا سبيل هذا، لا سبيل لكم عليه، فاقبل الينا ذلك الذمى، فاخبرنا الخبر، و قد سالت عنهم، فلم يخبرنى احد عنهم بشى ء، فليكتب الى اميرالمومنين فيهم براى انته اليه، ان شاءالله.

فكتب اليه اميرالمومنين (ع): اما بعد، فقد فهمت ما ذكرت من امر العصابه التى مرت بعملك، فقتلت البر المسلم، و امن عندهم المخالف المشرك، و ان اولئك قوم استهواهم الشيطان فضلوا، كالذين حسبوا الا تكون فتنه فعموا و صموا، فاسمع بهم و ابصر يوم تخبر اعمالهم! فالزم عملك و اقبل على خراجك، فانك كما ذكرت فى طاعتك و نصيحتك، والسلام.

قال: فكتب على (ع) الى زياد بن خصفه، مع عبدالله بن وال التيمى، كتابا نسخته: اما بعد، فقد كنت امرتك ان تنزل دير ابى موسى حتى ياتيك امرى، و ذلك انى لم اكن علمت اين توجه القوم، و قد بلغنى انهم اخذوا نحو قريه من قرى السواد، فاتبع آثارهم و سل ع
نهم، فانهم قد قتلوا رجلا من اهل السواد مسلما مصليا، فاذا انت لحقت بهم فارددهم الى، فان ابوا فناجزهم، و استعن بالله عليهم، فانهم قد فارقوا الحق، و سفكوا الدم الحرام، و اخافوا السبيل.

والسلام.

قال عبدالله بن وال: فاخذت الكتاب منه (ع)- و انا يومئذ شاب- فمضيت به غير بعيد ثم رجعت اليه، فقلت: يا اميرالمومنين، الا امضى مع زياد بن خصفه الى عدوك، اذا دفعت اليه كتابك؟ فقال: يابن اخى، افعل، فو الله انى لارجو ان تكون من اعوانى على الحق و انصارى على القوم الظالمين.

قال: فو الله ما احب ان لى بمقالته تلك حمر النعم، فقلت له: يا اميرالمومنين، انا و الله كذلك من اولئك، انا و الله حيث تحب.

ثم مضيت الى زياد بالكتاب، و انا على فرس رائع كريم، و على السلاح، فقال لى زياد: يابن اخى، و الله ما لى عنك من غنى، و انى احب ان تكون معى فى وجهى هذا، فقلت: انى قد استاذنت اميرالمومنين فى ذلك فاذن لى، فسر بذلك، ثم خرجنا حتى اتينا الموضع الذى كانوا فيه، فسالنا عنهم، فقيل: اخذوا نحو المدائن فلحقناهم، و هم نزول بالمدائن، و قد اقاموا بها يوما و ليله، و قد استراحوا و علفوا خيولهم، فهم جامون مريحون، و اتيناهم و قد تقطعنا و لغبنا و نصنا، فلما راونا و
ثبوا على خيولهم، فاستووا عليها، فجئنا حتى انتهينا اليهم، فنادى الخريت بن راشد: يا عميان القلوب و الابصار، امع الله و كتابه انتم ام مع القوم الظالمين؟ فقال له زياد بن خصفه: بل مع الله و كتابه و سنه رسوله، و مع من الله و رسوله و كتابه آثر عنده من الدنيا ثوابا و لو انها منذ يوم خلقت الى يوم تفنى لاثر الله عليها.

ايها العمى الابصار، الصم الاسماع! فقال الخريت: فاخبرونا ما تريدون؟ فقال له زياد- و كان مجربا رفيقا: قد ترى ما بنا من النصب و اللغوب، و الذى جئنا له لايصلح فيه الكلام علانيه على رووس اصحابك، و لكن تنزلون و ننزل، ثم نخلو جميعا، فنتذاكر امرنا و ننظر فيه، فان رايت فيما جئنا له حظا لنفسك قبلته، و ان رايت فيما اسمع منك امرا ارجو فيه العافيه لنا و لك لم ارده عليك.

فقال الخريت: انزل، فنزل، فاقبل الينا زياد، فقال: انزلوا على هذا الماء، فاقبلنا حتى انتهينا الى الماء، فنزلنا به، فما هو الا ان نزلنا فتفرقنا، فتحلقنا عشره و تسعه و ثمانيه و سبعه، تضع كل حلقه طعامها بين ايديها، لتاكل ثم تقوم الى الماء فتشرب.

و قال لنا زياد: علقوا على خيولكم، فعلقنا عليها مخاليها، و وقف زياد فى خمسه فوارس، احدهم عبدالله بن وال بيننا و
بين القوم، و انطلق القوم فتنحوا، فنزلوا و اقبل الينا زياد، فلما راى تفرقنا و تحلقنا، قال: سبحان الله! انتم اصحاب حرب! و الله لو ان هولاء جاءوكم الساعه على هذه الحاله ما ارادوا من غرتكم افضل من اعمالكم التى انتم عليها، عجلوا، قوموا الى خيولكم.

فاسرعنا فمنا من يتوضا، و منا من يشرب، و منا من يسقى فرسه، حتى اذا فرغنا من ذلك اتينا زيادا، و ان فى يده لعرقا ينهسه، فنهس منه نهستين او ثلاثه، ثم اتى باداوه فيها ماء، فشرب ثم القى العرق من يده، و قال: يا هولاء، انا قد لقينا العدو، و ان القوم لفى عدتكم، و لقد حزرتهم فما اظن احد الفريقين يزيد على الاخر خمسه نفر، فانى ارى امركم و امرهم سيصير الى القتال، فان كان ذلك فلا تكونوا اعجز الفريقين.

ثم قال: لياخذ كل رجل منكم بعنان فرسه، فاذا دنوت منهم و كلمت صاحبهم، فان تابعنى على ما اريد، و الا فاذا دعوتكم فاستووا على متون خيلكم، ثم اقبلوا معا غير متفرقين.

ثم استقدم امامنا و انا معه، فسمعت رجلا من القوم يقول: جاءكم القوم و هم كالون معيون، و انتم جامون مريحون، فتركتموهم حتى نزلوا فاكلوا و شربوا، و اراحوا دوابهم، هذا و الله سوء الراى.

قال: و دعا زياد صاحبهم الخريت، فقال له: اعتزل ننظ
ر فى امرنا، فاقبل اليه فى خمسه نفر، فقلت لزياد: ادعو لك ثلاثه نفر من اصحابنا، حتى نلقاهم فى عددهم؟ فقال: ادع من احببت.

فدعوت له ثلاثه، فكنا خمسه.

و هم خمسه.

فقال له زياد: ما الذى نقمت على اميرالمومنين و علينا حتى فارقتنا؟ فقال: لم ارض صاحبكم اماما، و لم ارض بسيرتكم سيره، فرايت ان اعتزل، و اكون مع من يدعو الى الشورى بين الناس، فاذا اجتمع الناس على رجل هو لجميع الامه رضا كنت مع الناس.

فقال زياد: ويحك! و هل يجتمع الناس على رجل يدانى عليا عالما بالله و بكتابه و سنه رسوله، مع قرابته و سابقته فى الاسلام! فقال الخريت: هو ما اقول لك، فقال: ففيم قتلتم الرجل المسلم؟ فقال الخريت: ما انا قتلته، قتلته طائفه من اصحابى، قال: فادفعهم الينا قال: ما الى ذلك من سبيل، قال: او هكذا انت فاعل! قال: هو ما تسمع.

قال: فدعونا اصحابنا، و دعا الخريت اصحابه، ثم اقتتلنا، فو الله ما رايت قتالا مثله منذ خلقنى الله، لقد تطاعنا بالرماح حتى لم يبق فى ايدينا رمح، ثم اضطر بنا بالسيوف حتى انحنت، و عقرت عامه خلنا و خيلهم، و كثرت الجراح فيما بيننا و بينهم، و قتل منا رجلان: مولى لزياد كانت معه رايته يدعى سويدا، و رجل من الابناء يدعى واقد بن بكر، و ص
رع منهم خمسه نفر، و حال الليل بيننا و بينهم، و قد و الله كرهونا و كرهناهم، و هرونا و هررناهم، و قد جرح زياد و جرحت.

ثم انا بتنا فى جانب و تنحوا، فمكثوا ساعه من الليل ثم مضوا، فذهبوا و اصبحنا، فوجدناهم قد ذهبوا، فو الله ما كرهنا ذلك، فمضينا حتى اتينا البصره، و بلغنا انهم اتوا الاهواز، فنزلوا فى جانب منها، و تلاحق بهم ناس من اصحابهم نحو مائتين كانوا معهم بالكوفه، لم يكن لهم من القوه ما ينهضون به معهم حين نهضوا، فاتبعوهم من بعد لحوقهم بالاهواز، فاقاموا معهم.

قال: و كتب زياد بن خصفه الى على (ع): اما بعد، فانا لقينا عدو الله الناجى و اصحابه بالمدائن، فدعوناهم الى الهدى و الحق و كلمه السواء، فتولوا عن الحق و اخذتهم العزه بالاثم، و زين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل، فقصدونا و صمدنا صمدهم، فاقتتلنا قتالا شديدا ما بين قائم الظهر الى ان دلكت الشمس، و استشهد منا رجلان صالحان، و اصيب منهم خمسه نفر، و خلوا لنا المعركه، و قد فشت فينا و فيهم الجراح.

ثم ان القوم لما ادركوا الليل خرجوا من تحته متنكرين الى ارض الاهواز، و قد بلغنى انهم نزلوا من الاهواز جانبا.

و نحن بالبصره نداوى جراحنا، و ننتظر امرك رحمك الله، والسلام.

ف
لما اتاه الكتاب، قراه على الناس، فقام اليه معقل بن قيس الرياحى، فقال: اصلحك الله يا اميرالمومنين انما كان ينبغى ان يكون مكان كل رجل من هولاء الذين بعثتهم فى طلبهم عشره من المسلمين، فاذا لحقوهم استاصلوا شافتهم، و قطعوا دابرهم، فاما ان تلقاهم باعدادهم، فلعمرى ليصبرن لهم، فانهم قوم عرب، و العده تصبر للعده، فيقاتلون كل القتال.

قال: فقال (ع) له: تجهز يا معقل اليهم، و ندب معه الفين من اهل الكوفه، فيهم يزيد بن معقل، و كتب الى عبدالله بن العباس بالبصره رحمه الله تعالى: اما بعد، فابعث رجلا من قبلك صليبا شجاعا، معروفا بالصلاح فى الفى رجل من اهل البصره، فليتبع معقل بن قيس، فاذا خرج من ارض البصره، فهو امير اصحابه حتى يلقى معقلا، فاذا لقيه فمعقل امير الفريقين، فليسمع منه و ليطعه و لايخالفه، و مر زياد بن خصفه فليقبل الينا، فنعم المرء زياد، و نعم القبيل قبيله! والسلام.

قال: و كتب (ع) الى زياد بن خصفه: اما بعد، فقد بلغنى كتابك، و فهمت ما ذكرت به الناجى و اصحابه، الذين طبع الله على قلوبهم، و زين لهم الشيطان اعمالهم، فهم حيارى عمون، يحسبون انهم، يحسنون صنعا، و وصفت ما بلغ بك و بهم الامر، فاما انت و اصحابك فلله سعيكم و عليه جز
اوكم! و ايسر ثواب الله للمومن خير له من الدنيا التى يقبل الجاهلون بانفسهم عليها، ف (ما عندكم ينفد و ما عند الله باق و لنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون): و اما عدوكم الذين لقيتم فحسبهم خروجهم من الهدى، و ارتكاسهم فى الضلاله، و ردهم الحق، و جماحهم فى التيه، فذرهم و ما يفترون، و دعهم فى طغيانهم يعمهون، فاسمع بهم و ابصر، فكانك بهم عن قليل بين اسير و قتيل، فاقبل الينا انت و اصحابك ماجورين، فقد اطعتم و سمعتم، و احسنتم البلاء.

والسلام.

قال: و نزل الناجى جانبا من الاهواز، و اجتمع اليه علوج كثير من اهلها، ممن اراد كسر الخراج و من اللصوص، و طائفه اخرى من الاعراب ترى رايه.

قال ابراهيم بن هلال: فحدثنا محمد بن عبدالله، قال: حدثنى ابن ابى سيف، عن الحارث بن كعب، عن عبدالله بن قعين، قال: كنت انا و اخى كعب بن قعين فى ذلك الجيش مع معقل بن قيس، فلما اراد الخروج اتى اميرالمومنين (ع) يودعه، فقال: يا معقل بن قيس، اتق الله ما استطعت، فانه وصيه الله للمومنين، لاتبغ على اهل القبله، و لاتظلم اهل الذمه و لاتتكبر، فان الله لايحب المتكبرين، فقال معقل: الله المستعان، فقال: خير مستعان.

ثم قام فخرج، و خرجنا معه، حتى نزل الاهو
از، فاقمنا ننتظر بعث البصره، فابطا علينا، فقام معقل فقال: ايها الناس، انا قد انتظرنا اهل البصره، و قد ابطئوا علينا، و ليس بنا بحمد الله قله و لا وحشه الى الناس، فسيروا بنا الى هذا العدو القليل الذليل، فانى ارجو ان ينصركم الله و يهلكهم.

فقام اليه اخى كعب بن قعين فقال: اصبت ان شاءالله راينا رايك، و انى لارجو ان ينصرنا الله عليهم، و ان كانت الاخرى، فان فى الموت على الحق لتعزيه عن الدنيا.

فقال: سيروا على بركه الله.

فسرنا، فو الله ما زال معقل بن قيس لى و لاخى مكرما وادا، ما يعدل بنا احدا من الجند، و لايزال يقول لاخى: كيف قلت: ان فى الموت على الحق لتعزيه عن الدنيا! صدقت و الله و احسنت، و وفقت وفقك الله! قال: فو الله ما سرنا يوما، و اذا بفيج يشتد بصحيفه فى يده.

من عبدالله بن عباس الى معقل بن قيس، اما بعد، فان ادركك رسولى بالمكان الذى كنت مقيما به، او ادركك و قد شخصت منه، فلا تبرحن من المكان الذى ينتهى اليك رسولى و انت فيه، حتى يقدم عليك بعثنا الذى وجهناه اليك، فقد وجهت اليك خالد بن معدان الطائى، و هو من اهل الدين و الصلاح و النجده، فاسمع منه و اعرف ذلك له ان شاءالله والسلام.

قال: فقراه معقل بن قيس على اصحابه.

فسروا
به، و حمدوا الله، و قد كان ذلك الوجه هالهم.

و اقمنا حتى قدم علينا خالد بن معدان الطائى، و جاءنا حتى دخل على صاحبنا، فسلم عليه بالامره، و اجتمعنا جميعا فى عسكر واحد، ثم خرجنا الى الناجى و اصحابه، فاخذوا يرتفعون نحو جبال رامهرمز، يريدون قلعه حصينه، و جاءنا اهل البلد.

فاخبرونا بذلك، فخرجنا فى آثارهم فلحقناهم، و قد دنوا من الجبل، فصففنا لهم، ثم اقبلنا نحوهم، فجعل معقل على ميمنته يزيد بن المعقل الازدى، و على ميسرته منجاب بن راشد الضبى، و وقف الخريت بن راشد الناجى بمن معه من العرب، فكانوا ميمنه، و جعل اهل البلد و العلوج و من اراد كسر الخراج و جماعه من الاكراد ميسره.

قال: و سار فينا معقل يحرضنا، و يقول: يا عباد الله، لاتبدءوا القوم، و غضوا الابصار، و اقلوا الكلام، و وطنوا انفسكم على الطعن و الضرب، و ابشروا فى قتالهم بالاجر العظيم، انما تقاتلون مارقه مرقت و علوجا منعوا الخراج، و لصوصا و اكرادا، فما تنتظرون! فاذا حملت فشدوا شده رجل واحد.

قال: فمر فى الصف يكلمهم، يقول هذه المقاله، حتى اذا مر بالناس كلهم اقبل فوقف وسط الصف فى القلب، و نظرنا اليه ما يصنع، فحرك راسه تحريكتين، ثم حمل فى الثالثه، و حملنا معه جميعا، فو الله
ما صبروا لنا ساعه حتى ولوا و انهزموا، و قتلنا سبعين عربيا من بنى ناجيه، و من بعض من اتبعه من العرب، و نحو ثلثمائه من العلوج و الاكراد.

قال كعب: و نظرت، فاذا صديقى مدرك بن الريان قتيلا، و خرج الخريت منهزما، حتى لحق بسيف من اسياف البحر، و بها جماعه من قومه كثير، فما زال يسير فيهم و يدعوهم الى خلاف على (ع)، و يزين لهم فراقه، و يخبرهم ان الهدى فى حربه و مخالفته، حتى اتبعه منهم ناس كثير.

و اقام معقل بن قيس بارض الاهواز، و كتب الى اميرالمومنين (ع) بالفتح، و كنت انا الذى قدم بالكتاب عليه، و كان فى الكتاب: لعبد الله على اميرالمومنين، من معقل بن قيس.

سلام عليك، فانى احمد اليك الله الذى لا اله الا هو.

اما بعد، فانا لقينا المارقين، و قد استظهروا علينا بالمشركين، فقتلنا منهم ناسا كثيرا و لم نعد فيهم سيرتك فلم نقتل منهم مدبرا و لااسيرا، و لم نذفف منهم على جريح، و قد نصرك الله و المسلمين، و الحمد لله رب العالمين.

قال: فلما قدمت بالكتاب على على (ع)، قراه على اصحابه، و استشارهم فى الراى، فاجتمع راى عامتهم على قول واحد.

قالوا: نرى ان تكتب الى معقل بن قيس، يتبع آثارهم، و لايزال فى طلبهم حتى يقتلهم او ينفيهم من ارض الاسلام، فا
نا لانامن ان يفسدوا عليك الناس.

قال: فردنى اليه، و كتب معى: اما بعد، فالحمد لله على تاييده اولياءه، و خذله اعداءه، جزاك الله و المسلمين خيرا، فقد احسنتم البلاء، و قضيتم ما عليكم، فاسال عن اخى بنى ناجيه، فان بلغك انه استقر فى بلد من البلدان، فسر اليه حتى تقتله او تنفيه، فانه لم يزل للمسلمين عدوا، و للفاسقين وليا، والسلام.

قال: فسال معقل عن مسيره و المكان الذى انتهى اليه، فنبى ء بمكانه بسيف البحر بفارس، و انه قد رد قومه عن طاعه على (ع)، و افسد من قبله من عبدالقيس، و من والاهم من سائر العرب، و كان قومه قد منعوا الصدقه عام صفين، و منعوها فى ذلك العام ايضا، فسار اليهم معقل بن قيس فى ذلك الجيش من اهل الكوفه و البصره، فاخذوا على ارض فارس، حتى انتهوا الى اسياف البحر، فلما سمع الخريت بن راشد بمسيره، اقبل على من كان معه من اصحابه، ممن يرى راى الخوارج، فاسر اليهم: انى ارى رايكم، و ان عليا ما كان ينبغى له ان يحكم الرجال فى دين الله، و قال لمن يرى راى عثمان و اصحابه: انا على رايكم، و ان عثمان قتل مظلوما معقولا، و قال لمن منع الصدقه: شدوا ايديكم على صدقاتكم، ثم صلوا بها ارحامكم، و عودوا ان شئتم على فقرائكم، فارضى كل طائفه
بضر.

من القول، و كان فيهم نصارى كثير، و قد كانوا اسلموا، فلما راوا ذلك الاختلاف، قالوا: و الله لديننا الذى خرجنا منه خير و اهدى من دين هولاء الذين لاينهاهم دينهم عن سفك الدماء، و اخافه السبل، فرجعوا الى دينهم.

فلقى الخريت اولئك، فقال: ويحكم! انه لاينجيكم من القتل الا الصبر لهولاء القوم و لقتالهم، اتدرون ما حكم على فيمن اسلم من النصارى ثم رجع الى النصرانيه؟ لا و الله لايسمع له قولا، و لايرى له عذرا، و لايقبل منه توبه، و لايدعوه اليها، و ان حكمه فيه ان يضرب عنقه ساعه يستمكن منه، فما زال حتى خدعهم و جاءهم من كان من بنى ناجيه فى تلك الناحيه و من غيرهم، فاجتمع اليه ناس كثير، و كان منكرا داهيا.

قال: فلما رجع معقل، قرا على اصحابه كتابا من على (ع) فيه: من عبدالله على اميرالمومنين الى من قرى ء عليه كتابى هذا، من المسلمين و المومنين و المارقين و النصارى و المرتدين.

سلام على من اتبع الهدى و آمن بالله و رسوله و كتابه، و البعث بعد الموت وافيا بعهد الله، و لم يكن من الخائنين، اما بعد فانى ادعوكم الى كتاب الله و سنه نبيه، و ان اعمل فيكم بالحق و بما امر الله تعالى فى كتابه، فمن رجع منكم الى رحله و كف يده، و اعتزل هذا المارق
الهالك المحارب، الذى حارب الله و رسوله و المسلمين، و سعى فى الارض فسادا، فله الامان على ماله و دمه.

و من تابعه على حربنا و الخروج من طاعتنا، استعنا بالله عليه، و جعلناه بيننا و بينه، و كفى بالله وليا.

والسلام.

قال: فاخرج معقل رايه امان فنصبها، و قال: من اتاها من الناس فهو آمن الا الخريت و اصحابه الذين نابذوا اول مره، فتفرق عن الخريت كل من كان معه من غير قومه، و عبا معقل بن قيس اصحابه، ثم زحف بهم نحوه، و قد حضر مع الخريت جميع قومه! مسلمهم و نصرانيهم، و مانعى الصدقه منهم، فجعل مسلميهم يمنه، و النصارى و مانعى الصدقه يسره، و جعل يقول لقومه: امنعوا اليوم حريمكم، و قاتلوا عن نسائكم و اولادكم، و الله لئن ظهروا عليكم ليقتلنكم و ليسلبنكم.

فقال له رجل من قومه: هذا و الله ما جرته علينا يدك و لسانك، فقال لهم: قاتلوا فقد سبق السيف العذل.

قال: و سار معقل بن قيس يحرض اصحابه فيما بين الميمنه و الميسره، و يقول: ايها الناس، ما تدرون ما سيق اليكم فى هذا الموقف من الاجر العظيم! ان الله ساقكم الى قوم منعوا الصدقه، و ارتدوا عن الاسلام، و نكثوا البيعه ظلما و عدوانا، انى شهيد لمن قتل منكم بالجنه، و من عاش بان الله يقر عينه بالفتح و
الغنيمه، ففعل ذلك حتى مر بالناس اجمعين، ثم وقف فى القلب برايته، و بعث الى يزيد بن المعقل الازدى، و هو فى الميمنه، ان احمل عليهم، فحمل، فثبتوا له، فقاتل طويلا و قاتلوه، ثم رجع حتى وقف موقفه الذى كان فيه من الميمنه، ثم بعث الى المنجاب بن راشد الضبى، و هو فى الميسره: ان احمل عليهم، فحمل فثبتوا له، فقاتل طويلا و قاتلوه، ثم رجع حتى وقف موقفه الذى كان فى الميسره، ثم بعث معقل الى ميمنته و ميسرته: اذا حملت فاحملوا جميعا.

ثم اجرى فرسه و ضربها، و حمل اصحابه، فصبروا لهم ساعه.

ثم ان النعمان بن صهبان الراسبى بصر بالخريت، فحمل عليه، فصرعه عن فرسه، ثم نزل اليه و قد جرحه، فاختلفا بينهما ضربتين، فقتله النعمان و قتل معه فى المعركه سبعون و مائه، و ذهب الباقون فى الارض يمينا و شمالا، و بعث معقل الخيل الى رحالهم، فسبى من ادرك فيها رجالا و نساء و صبيانا، ثم نظر فيهم، فمن كان مسلما خلاه و اخذ بيعته، و خلى سبيل عياله، و من كان ارتد عن الاسلام عرض عليه الرجوع الى الاسلام و الا القتل، فاسلموا.

فخلى سبيلهم، و سبيل عيالاتهم، الا شيخا منهم نصرانيا يقال له: الرماحس بن منصور، فانه قال: و الله ما زلت مصيبا مذ عقلت، الا فى خروجى من دينى، دي
ن الصدق، الى دينكم، دين السوء، لا و الله لاادع دينى و لااقرب دينكم ما حييت.

فقدمه معقل فضرب عنقه، و جمع الناس، فقال: ادوا ما عليكم فى هذه السنين من الصدقه، فاخذ من المسلمين عقالين، و عمد الى النصارى و عيالاتهم فاحتملهم معه، و اقبل المسلمون الذين كانوا معهم، يشيعونهم، فامر معقل بردهم، فلما ذهبوا لينصرفوا، تصايحوا و دعا الرجال و النساء بعضهم الى بعض.

قال: فلقد رحمتهم رحمه ما رحمتها احدا قبلهم و لا بعدهم.

و كتب معقل الى على (ع): اما بعد، فانى اخبر اميرالمومنين عن جنده و عن عدوه انا دفعنا الى عدونا باسياف البحر، فوجدنا بها قبائل ذات حد و عدد، و قد جمعوا لنا، فدعوناهم الى الجماعه و الطاعه، و الى حكم الكتاب و السنه، و قرانا عليهم كتاب اميرالمومنين (ع)، و رفعنا لهم رايه امان، فمالت الينا طائفه منهم، و ثبتت طائفه اخرى، فقبلنا امر التى اقبلت، و صمدنا الى التى ادبرت، فضرب الله وجوههم، و نصرنا عليهم، فاما من كان مسلما، فانا مننا عليه، و اخذنا بيعته لامير المومنين، و اخذنا منهم الصدقه التى كانت عليهم، و اما من ارتد فعرضنا عليهم الرجوع الى الاسلام، و الا قتلناهم، فرجعوا الى الاسلام، غير رجل واحد فقتلناه، و اما النصارى، فا
نا سبيناهم و اقبلنا بهم، ليكونوا نكالا لمن بعدهم من اهل الذمه، كى لايمنعوا الجزيه، و لايجترئوا على قتال اهل القبله، و هم للصغار و الذله اهل.

رحمك الله يا اميرالمومنين، و عليك الصلاه و السلام، و اوجب لك جنات النعيم و السلام.

قال: ثم اقبل بالاسارى حتى مر على مصقله بن هبيره الشيبانى، و هو عامل لعلى (ع) على اردشير خره و هم خمسمائه انسان، فبكى اليه النساء و الصبيان، و تصايح الرجال: يا اباالفضل، يا حامل الثقل، يا مووى الضعيف، و فكاك العصاه، امنن علينا فاشترنا و اعتقنا.

فقال مصقله: اقسم بالله لاتصدقن عليهم، ان الله يجزى المتصدقين.

فبلغ قوله معقل بن قيس، فقال: و الله لو اعلمه قالها توجعا لهم و ازراء على لضربت عنقه، و ان كان فى ذلك فناء بنى تميم و بكر بن وائل.

ثم ان مصقله بعث ذهل بن الحارث الذهلى الى معقل، فقال: بعنى نصارى ناجيه، فقال: ابيعكهم بالف الف درهم، فابى عليه، فلم يزل يراوده حتى باعه اياهم بخمسمائه الف درهم، و دفعهم اليه، و قال: عجل بالمال الى اميرالمومنين (ع)، فقال مصقله: انا باعث الان بصدر منه، ثم اتبعك بصدر آخر، ثم كذلك حتى لايبقى منه شى ء.

و اقبل معقل الى اميرالمومنين (ع)، فاخبره بما كان من الامر، فقال ل
ه: احسنت و اصبت و وفقت.

و انتظر على (ع) مصقله ان يبعث بالمال، فابطا به.

و بلغ عليا (ع) ان مصقله خلى الاسارى و لم يسالهم ان يعينوه فى فكاك انفسهم بشى ء، فقال: ما ارى مصقله الا قد حمل حماله، و لااراكم الا سترونه عن قريب مبلدحا، ثم كتب اليه: اما بعد، فان من اعظم الخيانه خيانه الامه، و اعظم الغش على اهل المصر غش الامام، و عندك من حق المسلمين خمسمائه الف درهم، فابعث بها الى حين ياتيك رسولى، و الا فاقبل الى حين تنظر فى كتابى، فانى قد تقدمت الى رسولى الا يدعك ساعه واحده تقيم بعد قدومه عليك، الا ان تبعث بالمال، والسلام.

و كان الرسول ابو جره الحنفى، فقال له ابو جره: ان تبعث بهذا المال و الا فاشخص معى الى اميرالمومنين.

فلما قرا كتابه اقبل حتى نزل البصره، و كان العمال يحملون المال من كور البصره الى ابن عباس، فيكون ابن عباس هو الذى يبعث به الى اميرالمومنين (ع)، ثم اقبل من البصره حتى اتى عليا (ع) بالكوفه، فاقره اياما لم يذكر له شيئا، ثم ساله المال، فادى اليه مائتى الف درهم، و عجز عن الباقى.

قال: فروى ابن ابى سيف، عن ابى الصلت، عن ذهل بن الحارث، قال: دعانى مصقله الى رحله، فقدم عشاء فطعمنا منه، ثم قال: و الله ان اميرالمومن
ين (ع) يسالنى هذا المال، و و الله ما اقدر عليه، فقلت له: لو شئت لم يمض عليك جمعه حتى تجمع هذا المال، فقال: ما كنت لاحملها قومى، و لااطلب فيها الى احد.

ثم قال: و الله لو ان ابن هند مطالبى بها، او ابن عفان، لتركها لى، الم تر الى عثمان كيف اعطى الاشعث مائه الف درهم من خراج اذربيجان فى كل سنه! فقلت: ان هذا لايرى ذلك الراى، و ما هو بتارك لك شيئا.

فسكت ساعه، و سكت عنه فما مكث ليله واحده بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاويه.

فبلغ ذلك عليا (ع) فقال: ما له ترحه الله! فعل فعل السيد و فر فرار العبد، و خان خيانه الفاجر، اما انه لو اقام فعجز ما زدنا على حبسه، فان وجدنا له شيئا اخذناه، و ان لم نجد له مالا تركناه.

ثم سار على (ع) الى داره فهدمها.

و كان اخوه نعيم بن هبيره الشيبانى شيعه لعلى (ع)، مناصحا، فكتب اليه مصقله من الشام مع رجل من نصارى تغلب، يقال له حلوان: اما بعد، فانى كلمت معاويه فيك، فوعدك الكرامه و مناك الاماره، فاقبل ساعه تلقى رسولى.

والسلام.

فاخذه مالك بن كعب الارحبى فسرح به الى على (ع)، فاخذ كتابه فقراه ثم قدمه فقطع يده، فمات.

و كتب نعيم الى (اخيه) مصقله شعرا لم يرده عليه: لاترمين هداك الله معترضا بالظن منك فما ب
الى و حلوانا ذاك الحريص على ما نال من طمع و هو البعيد فلا يورثك احزانا ماذا اردت الى ارساله سفها ترجو سقاط امرى ء لم يلف وسنانا عرضته لعلى انه اسد يمشى العرضنه من آساد خفانا قد كنت فى خير مصطاف و مرتبع تحمى العراق و تدعى خير شيبانا حتى تقحمت امرا كنت تكرهه للراكبين له سرا و اعلانا لو كنت اديت مال الله مصطبرا للحق زكيت احيانا و موتانا لكن لحقت باهل الشام ملتمسا فضل ابن هند فذاك الراى اشجانا فاليوم تقرع سن العجز من ندم ماذا تقول و قد كان الذى كانا! اصبحت تبغضك الاحياء قاطبه لم يرفع الله بالعصيان انسانا فلما بلغ الكتاب اليه علم ان النصرانى قد هلك، و لم يلبث التغلبيون الا قليلا حتى بلغهم هلاك صاحبهم، فاتوا مصقله، فقالوا: انت اهلكت صاحبنا، فاما ان تجيئنا به، و اما ان تديه، فقال: اما ان اجى ء به، فلست استطيع ذلك، و اما ان اديه فنعم، فوداه.

قال ابراهيم: و حدثنى ابن ابى سيف، عن عبدالرحمن بن جندب، عن ابيه، قال: قيل لعلى (ع) حين هرب مصقله: اردد الذين سبوا و لم تستوف اثمانهم فى الرق، فقال: ليس ذلك فى القضاء بحق، قد عتقوا اذ اعتقهم الذى اشتراهم، و صار مالى دينا على الذى اشتراهم.

و رو
ى ابراهيم ايضا، عن ابراهيم بن ميمون، عن عمرو بن القاسم بن حبيب التمار، عن عمار الدهنى، قال: لما هرب مصقله قال اصحاب على (ع): له يا اميرالمومنين، فيئنا! قال: انه قد صار على غريم من الغرماء، فاطلبوه.

و قال ظبيان بن عماره، احد بنى سعد بن زيد مناه فى بنى ناجيه: هلا صبرت للقراع ناجيا و المرهفات تختلى الهواديا و الطعن فى نحوركم تواليا و صائبات الاسهم القواضيا و قال ظبيان ايضا: الا فاصبروا للطعن و الضرب ناجيا و للمرهفات يختلين الهواديا فقد صب رب الناس خزيا عليكم و صيركم من بعد عز مواليا سما لكم بالخيل جردا عواديا اخو ثقه لايبرح الدهر غازيا فصبحكم فى رحلكم و خيولكم بضرب يرى منه المدجج هاويا فاصبحتم من بعد عز و كثره عبيد العصا لاتمنعون الذراريا قال ابراهيم بن هلال: و روى عبدالرحمن بن حبيب، عن ابيه، انه لما بلغ عليا (ع) مصاب بنى ناجيه، و قتل صاحبهم، قال: هوت امه! ما كان انقص عقله و اجراه! انه جاءنى مره فقال: ان فى اصحابك رجالا قد خشيت ان يفارقوك، فما ترى فيهم؟ فقلت: انى لا آخذ على التهمه، و لا اعاقب على الظن، و لااقاتل الا من خالفنى و ناصبنى، و اظهر العداوه لى، ثم لست مقاتله حتى ادعوه و اعذ
ر اليه، فان تاب و رجع قبلنا منه، و ان ابى الا الاعتزام على حربنا استعنا بالله عليه، و ناجزناه.

فكف عنى ما شاء الله، ثم جاءنى مره اخرى، فقال لى: انى قد خشيت ان يفسد عليك عبدالله بن وهب و زيد بن حصين الطائى، انى سمعتهما يذكر انك باشياء لو سمعتهما لم تفارقهما حتى تقتلهما او توثقهما، فلا يزالان بمحبسك ابدا.

فقلت له: انى مستشيرك فيهما، فماذا تامرنى به؟ قال: انى آمرك ان تدعو بهما فتضرب رقابهما، فعلمت انه لاورع له و لا عقل فقلت له: و الله ما اظن لك ورعا و لا عقلا، لقد كان ينبغى لك ان تعلم انى لااقتل من لم يقاتلنى، و لم يظهر لى عداوته للذى كنت اعلمتكه من رايى، حيث جئتنى فى المره الاولى، و لقد كان ينبغى لك- لو اردت قتلهم ان تقول لى: اتق الله! بم تستحل قتلهم و لم يقتلوا احدا، و لم ينابذوك و لم يخرجوا من طاعتك! فاما ما يقوله الفقهاء فى مثل هذا السبى، فقبل ان نذكر ذلك نقول: ان الروايه قد اختلفت فى المرتدين من بنى ناجيه، فالروايه الاولى التى رواها محمد بن عبدالله بن عثمان، عن نصر بن مزاحم، تتضمن ان الامير الذى من قبل على (ع) قتل مقاتله المرتدين منهم بعد امتناعهم من العود الى الاسلام، و سبى ذراريهم، فقدم بها على على (ع)،
فعلى هذه الروايه يكون الذين اشتراهم مصقله ذرارى اهل الرده.

و الروايه الثانيه التى رواها محمد بن عبدالله، عن ابن ابى سيف، تتضمن ان معقل بن قيس، الامير من قبل على (ع) لم يقتل من المرتدين من بنى ناجيه الا رجلا واحدا، و اما الباقون فرجعوا الى الاسلام، و الاسترقاق انما كان للنصارى الذين ساعدوا فى الحرب و شهروا السيف على جيش الامام، و ليسوا مرتدين، بل نصارى فى الاصل، و هم الذين اشتراهم مصقله.

فان كانت الروايه الاولى هى الصحيحه ففيها اشكال، لان المرتدين لايجوز عند الفقهاء استرقاقهم، و لااعرف خلافا فى هذه المساله، و لااظن الاماميه ايضا تخالف فيها، و انما ذهب ابوحنيفه الى ان المراه المرتده اذا لحقت بدار الحرب جاز استرقاقها، و سائر الفقهاء على خلافه، و لم يختلفوا فى ان الذكور البالغين من المرتدين لايجوز استرقاقهم، فلا اعلم كيف وقع استرقاق المرتدين من بنى ناجيه على هذه الروايه، على انى ارى ان الروايه المذكوره لم يصرح فيها باسترقاقهم، و لا بانهم بيعوا على مصقله، لان لفظ الراوى: (فابوا، فقتل مقاتلتهم و سبى ذراريهم فقدم بهم على على (ع))، و ليس فى الروايه ذكر استرقاقهم و لابيعهم على مصقله، بل فيها ما ينافى بيعهم على مصقله،
و هو قوله: (فقدم بهم على على (ع))، فان مصقله ابتاع السبى من الطريق فى اردشير خره قبل قدومه على على (ع)، و لفظ الخبر: (فقدم بهم على على (ع)).

و انما يبقى الاشكال على هذه الروايه ان يقال: اذا كان قد قدم بهم على على عليه السلام، فمصقله من اشترى! و لايمكن دفع كون مصقله اشترى قوما فى الجمله، فان الخبر بذلك مشهور جدا يكاد يكون متواترا.

فان قيل، فما قولكم فيما اذا ارتد البالغون من الرجال و النساء، ثم اولدوا ذريه صغارا بعد الرده، هل يجوز استرقاق الاولاد؟ فان كان يجوز، فهلا حملتم الخبر عليه! قيل: اذا ارتد الزوجان فحملت منه فى حال الرده و اتت بولد كان محكوما بكفره، لانه ولد بين كافرين.

و هل يجوز استرقاقه؟ فيه للشافعى قولان، و اما ابوحنيفه فقال: ان ولد فى دار الاسلام لم يجز استرقاقه، و ان ولد فى دار الحرب جاز استرقاقه، فان كان استرقاق هولاء الذريه موافقا لاحد قولى الشافعى، فلعله ذاك.

و اما الروايه الثانيه، فان كانت هى الصحيحه- و هو الاولى- فالفقه فى المساله ان الذمى اذا حارب المسلمين فقد نقض عهده، فصار كالمشركين الذين فى دار الحرب، فاذا ظفر به الامام جاز استرقاقه و بيعه، و كذلك اذا امتنع من اداء الجزيه او امتنع من التز
ام احكام الاسلام.

و اختلف الفقهاء فى امور سبعه: هل ينتقض بها عهدهم، و يجوز استرقاقهم ام لا، و هى ان يزنى الذمى بمسلمه، او يصيبها باسم نكاح، او يفتن مسلما.

عن دينه، او يقطع الطريق على المسلمين، او يووى للكفار عينا، او يدل على عورات المسلمين، او يقتل مسلما.

فاصحاب الشافعى يقولون: ان شرط عليهم فى عقد الذمه الكف عن ذلك، فهل ينقض عهدهم بفعله؟ فيه و جهان.

و ان لم يشترط ذلك فى عقد الذمه، لم ينتقض عهدهم بذلك.

و قال الطحاوى من اصحاب ابى حنيفه: ينتقض عهدهم بذلك، سواء شورطوا عن الكف عنه فى عقد الذمه، او لم يشارطوا عليه.

فنصارى بنى ناجيه على هذه الروايه قد انتقض عهدهم بحرب المسلمين، فابيحت دماوهم، و جاز للامام قتلهم و جاز له استرقاقهم كالمشركين الاصليين فى دار الحرب، و اما استرقاق ابى بكر بن ابى قحافه لاهل الرده و سبيه ذراريهم، فان صح كان مخالفا لما يقول الفقهاء من تحريم استرقاق المرتدين، الا ان يقولوا انه لم يسب المرتدين، و انما سبى من ساعدهم و اعانهم فى الحرب من المشركين الاصليين.

و فى هذا الموضع نظر.

/ 614