قال الرضى رحمه الله: و ابتداء هذا الكلام مروى عن رسول الله (ص)، و قد قفاه اميرالمومنين (ع) بابلغ كلام، و تممه باحسن تمام، من قوله: (و لايجمعهما غيرك) الى آخر الفصل.
وعثاء السفر: مشقته، و اصل الوعث المكان السهل الكثير الدهس، تغيب فيه الاقدام، و يشق على من يمشى فيه، اوعث القوم، اى وقعوا فى الوعث.
و الكابه: الحزن.
و المنقلب، مصدر من انقلب منقلبا، اى رجع، و سوء المنظر: قبح المراى.
و صدر الكلام مروى عن رسول الله (ص) فى المسانيد الصحيحه، و ختمه اميرالمومنين (ع) و تممه بقوله: (و لايجمعهما غيرك)، و هو الصحيح، لان من يستصحب لايكون مستخلفا، فانه مستحيل ان يكون الشى ء الواحد فى المكانين مقيما و سائرا، و انما تصح هذه القضيه فى الاجسام، لان الجسم الواحد لايكون فى جهتين فى وقت واحد، فاما ما ليس بجسم و هو البارى ء سبحانه، فانه فى كل مكان، لا على معنى ان ذاته ليست مكانيه، و انما المراد علمه و احاطته و نفوذ حكمه و قضائه و قدره، فقد صدق (ع) انه المستخلف و انه المستصحب، و ان الامرين مجتمعان له جل اسمه.
و هذا الدعاء دعا به اميرالمومنين (ع) بعد وضع رجله فى الركاب، من منزله بالكوفه متوجها الى الشام لحرب مع اويه و اصحابه، ذكره نصر بن مزاحم فى كتاب "صفين" و ذكره غيره ايضا من رواه السيره.
(ادعيه على عند خروجه من الكوفه لحرب معاويه) قال نصر: لما وضع على (ع) رجله فى ركاب دابته يوم خرج من الكوفه الى صفين، قال: بسم الله، فلما جلس على ظهرها، قال: (سبحان الذى سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و انا الى ربنا لمنقلبون)، اللهم انى اعوذ بك من وعثاء السفر الى آخر الفصل.
و زاد فيه نصر: (و من الحيره بعد اليقين).
قال: ثم خرج امامه الحر بن سهم بن طريف، و هو يرتجز و يقول: يا فرسى سيرى و امى الشاما و قطعى الحزون و الاعلاما و نابذى من خالف الاماما انى لارجو ان لقينا العاما جمع بنى اميه الطغاما ان نقتل العاصى و الهماما و ان نزيل من رجال هاما قال: و قال حبيب بن مالك، و هو على شرطه على (ع)، و هو آخذ بعنان دابته: يا اميرالمومنين، اتخرج بالمسلمين فيصيبوا اجر الجهاد بالقتال، و تخلفنى بالكوفه لحشر الرجال! فقال (ع): انهم لن يصيبوا من الاجر شيئا الا كنت شريكهم فيه، و انت هاهنا اعظم غناء عنهم منك لو كنت معهم.
فخرج على (ع)، حتى اذا حاذى الكوفه صلى ركعتين.
قال: و حدثنا عمرو بن خالد، عن ابى الحسين زيد بن على (ع)، عن آبائه: ان عل يا (ع) خرج و هو يريد صفين، حتى اذا قطع النهر، امر مناديه، فنادى بالصلاه، فتقدم فصلى ركعتين، حتى اذا قضى الصلاه، اقبل على الناس بوجهه، فقال: ايها الناس، الا من كان مشيعا او مقيما فليتم الصلاه، فانا قوم سفر، الا و من صحبنا فلا يصومن المفروض.
و الصلاه المفروضه ركعتان.
قال نصر: ثم خرج حتى نزل دير ابى موسى- و هو من الكوفه على فرسخين- فصلى به العصر، فلما انصرف من الصلاه، قال: سبحان الله ذى الطول و النعم! سبحان الله ذى القدره و الافضال، اسال الله الرضا بقضائه، و العمل بطاعته، و الانابه الى امره، انه سميع الدعاء.
قال نصر: ثم خرج (ع) حتى نزل على شاطى ء نرس بين موضع حمام ابى برده و حمام عمر، فصلى بالناس المغرب، فلما انصرف، قال: الحمد لله الذى يولج الليل فى النهار، و يولج النهار فى الليل، و الحمد لله كلما وقب ليل و غسق، و الحمد لله كلما لاح نجم و خفق.
ثم اقام حتى صلى الغداه، ثم شخص حتى بلغ الى قبه قبين، و فيها نخل طوال الى جانب البيعه من وراء النهر، فلما رآها، قال: (و النخل باسقات لها طلع نضيد)، ثم اقحم دابته النهر، فعبر الى تلك البيعه فنزلها، و مكث قدر الغداء.
قال نصر: و حدثنا عمر بن سعد، عن محمد بن مخنف بن سليم قال: انى لانظر الى ابى و هو يساير عليا (ع)، و على يقول له: ان بابل ارض قد خسف بها، فحرك دابتك لعلنا نصلى العصر خارجا منها.
فحرك دابته، و حرك الناس دوابهم فى اثره، فلما جاز جسر الفرات، نزل فصلى بالناس العصر.
قال: حدثنى عمر بن عبدالله بن يعلى بن مره الثقفى، عن ابيه، عن عبد خير، قال: كنت مع على اسير فى ارض بابل، قال: و حضرت الصلاه صلاه العصر، قال: فجعلنا لا ناتى مكانا الا رايناه افيح من الاخر، قال: حتى اتينا على مكان احسن ما راينا، و قد كادت الشمس ان تغيب.
قال: فنزل على (ع)، فنزلت معه، قال: فدعا الله، فرجعت الشمس كمقدارها من صلاه العصر.
قال: فصليت العصر، ثم غابت الشمس، ثم خرج حتى اتى دير كعب، ثم خرج منه فبات بساباط، فاتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل و الطعام، فقال: لا، ليس ذلك لنا عليكم.
فلما اصبح و هو بمظلم ساباط، قرا: (اتبنون بكل ريع آيه تعبثون).
قال نصر: و بلغ عمرو بن العاص مسيره فقال: لاتحسبنى يا على غافلا لاوردن الكوفه القنابلا بجمعى العام و جمعى قابلا قال: فبلغ ذلك عليا (ع)، فقال: لاوردن العاصى ابن العاصى سبعين الفا عاقدى النواصى مستحقبين حلق الدلاص قد جنبوا الخيل مع القلاص اسود غيل حين لا مناص (نزول على بكربلاء) قال نصر: و حدثنا منصور بن سلام التميمى، قال: حدثنا حيان التيمى، عن ابى عبيده، عن هرثمه بن سليم، قال: غزونا مع على (ع) صفين، فلما نزل بكربلاء صلى بنا فلما سلم رفع اليه من تربتها فشمها، ثم قال: واها لك يا تربه! ليحشرن منك قوم يدخلون الجنه بغير حساب.
قال: فلما رجع هرثمه من غزاته الى امراته جرداء بنت سمير- و كانت من شيعه على (ع)- حدثها هرثمه فيما حدث، فقال لها: الا اعجبك من صديقك ابى حسن! قال: لما نزلنا كربلاء، و قد اخذ حفنه من تربتها فشمها، و قال: (واها لك ايتها التربه ليحشرن منك قوم يدخلون الجنه بغير حساب): و ما علمه بالغيب؟ فقالت المراه له: دعنا منك ايها الرجل، فان اميرالمومنين (ع) لم يقل الا حقا.
قال: فلما بعث عبيدالله بن زياد البعث الذى بعثه الى الحسين (ع)، كنت فى الخيل التى بعث اليهم، فلما انتهيت الى الحسين (ع) و اصحابه، عرفت المنزل الذى نزلنا فيه مع على (ع)، و البقعه التى رفع اليه من تربتها و القول الذى قاله، فكرهت مسيرى، فاقبلت على فرسى حتى وقفت على الحسين (ع) فسلمت عليه، و حدثته بالذى سمعت من ابيه فى هذا المنزل، فقال الحسين: امعنا ام علينا؟ فقلت: يابن رسول الله، لا معك و لا عليك، ت ركت ولدى و عيالى اخاف عليهم من ابن زياد، فقال الحسين (ع)، فول هربا حتى لاترى مقتلنا، فو الذى نفس حسين بيده لايرى اليوم مقتلنا احد ثم لا يعيننا الا دخل النار.
قال: فاقبلت فى الارض اشتد هربا، حتى خفى على مقتلهم.
قال نصر: و حدثنا مصعب، قال: حدثنا الاجلح بن عبدالله الكندى عن ابى جحيفه، قال: جاء عروه البارقى الى سعد بن وهب، فساله فقال: حديث حدثتناه عن على بن ابى طالب، قال: نعم بعثنى مخنف بن سليم الى على عند توجهه الى صفين، فاتيته بكربلاء، فوجدته يشير بيده، و يقول: هاهنا، هاهنا! فقال له رجل: و ما ذاك يا اميرالمومنين؟ فقال: ثقل لال محمد ينزل هاهنا، فويل لهم منكم، و ويل لكم منهم! فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا اميرالمومنين؟ قال: ويل لهم منكم تقتلونهم، و ويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار.
قال نصر: و قد روى هذا الكلام على وجه آخر، انه (ع) قال: (فويل لكم منهم، و ويل لكم عليهم)، فقال الرجل اما (ويل لنا منهم)، فقد عرفناه، فويل لنا عليهم، ما معناه! فقال: ترونهم يقتلون لاتستطيعون نصرتهم.
قال نصر: و حدثنا سعيد بن حكيم العبسى، عن الحسن بن كثير، عن ابيه، ان عليا (ع) اتى كربلاء، فوقف بها، فقيل له: يا اميرالمومنين، هذ ه كربلاء، فقال: (ذات كرب و بلاء)، ثم اوما بيده الى مكان، فقال: هاهنا موضع رحالهم، و مناخ ركابهم، ثم اوما بيده الى مكان آخر، فقال: هاهنا مراق دمائهم، ثم مضى الى ساباط.
(خروج على لحرب معاويه و ما دار بينه و بين اصحابه) و ينبغى ان نذكر هاهنا ابتداء عزمه على مفارقه الكوفه، و المسير الى الشام و ما خاطب به اصحابه، و ما خاطبوه به، و ما كاتب به العمال و كاتبوه جوابا عن كتبه، و جميع ذلك منقول من كتاب نصر بن مزاحم.
قال نصر: حدثنا عمر بن سعد، عن اسماعيل بن ابى خالد، عن عبدالرحمن بن عبيد ابى الكنود، قال: لما اراد على (ع) المسير الى الشام، دعا من كان معه من المهاجرين و الانصار، فجمعهم ثم حمد الله و اثنى عليه، و قال: اما بعد، فانكم ميامين الراى، مراجيح الحلم، مباركو الامر، و مقاويل بالحق، و قد عزمنا على المسير الى عدونا و عدوكم، فاشيروا علينا برايكم.
فقام هاشم بن عتبه بن ابى وقاص، فحمد الله و اثنى عليه، و قال: اما بعد يا اميرالمومنين، فانا بالقوم جد خبير، هم لك و لاشياعك اعداء، و هم لمن يطلب حرث الدنيا اولياء، و هم مقاتلوك و مجادلوك لايبقون جهدا، مشاحه على الدنيا، و ضنا بما فى ايديهم منها، ليس لهم اربه غيرها، الا ما ي