عدى بن حاتم تهجن! فقال: زيد ما انتم باعرف بحق عدى منى، و لكنى لاادع القول بالحق و ان سخط الناس.
قال نصر: و حدثنا عمر بن سعد، عن الحارث بن حصين قال: دخل ابوزينب ابن عوف، على على (ع)، فقال: يا اميرالمومنين، لئن كنا على الحق لانت اهدانا سبيلا، و اعظمنا فى الخير نصيبا، و لئن كنا على ضلال، انك لاثقلنا ظهرا و اعظمنا وزرا، قد امرتنا بالمسير الى هذا العدو، و قد قطعنا ما بيننا و بينهم من الولايه، و اظهرنا لهم العداوه، نريد بذلك ما يعلمه الله تعالى من طاعتك، اليس الذى نحن عليه هو الحق المبين، و الذى عليه عدونا هو الحوب الكبير! فقال (ع): بلى، شهدت انك ان مضيت معنا ناصرا لدعوتنا، صحيح النيه فى نصرنا، قد قطعت منهم الولايه، و اظهرت لهم العداوه كما زعمت، فانك ولى الله، تسبح فى رضوانه، و تركض فى طاعته، فابشر ابا زينب.
و قال له عمار بن ياسر: اثبت ابازينب، و لاتشك فى الاحزاب، اعداء الله و رسوله.
فقال ابوزينب: ما احب ان لى شاهدين من هذه الامه شهدا لى عما سالت من هذا الامر الذى اهمنى- مكانكما.
قال: و خرج عمار بن ياسر، و هو يقول: سيروا الى الاحزاب اعداء النبى سيروا فخير الناس اتباع على هذا اوان طاب سل المشرفى وقودنا الخيل و هز السمهرى قال نصر: و حدثنا عمر بن سعد، عن ابى روق، قال: دخل يزيد بن قيس الارحبى على على (ع)، فقال: يا اميرالمومنين، نحن اولو جهاز و عده، و اكثر الناس اهل قوه، و من ليس به ضعف و لا عله فمر مناديك، فليناد الناس يخرجوا الى معسكرهم بالنخيله، فان اخا الحرب ليس بالسئوم و لا النئوم، و لا من اذا امكنته الفرص اجلها، و استشار فيها، و لا من يوخر عمل الحرب فى اليوم لغد و بعد غد.
فقال زياد بن النضر: لقد نصح لك يزيد بن قيس يا اميرالمومنين، و قال ما يعرف، فتوكل على الله، و ثق به، و اشخص بنا الى هذا العدو راشدا معانا، فان يرد الله بهم خيرا لايتركوك رغبه عنك الى من ليس له مثل سابقتك و قدمك، و الا ينيبوا و يقبلوا و يابوا الا حربنا نجد حربهم علينا هينا، و نرجو ان يصرعهم الله مصارع اخوانهم بالامس.
ثم قام عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعى، فقال: يا اميرالمومنين، ان القوم لو كانوا الله يريدون، و لله يعملون، ما خالفونا، و لكن القوم انما يقاتلوننا فرارا من الاسوه و حبا للاثره و ضنا بسلطانهم، و كرها لفراق دنياهم التى فى ايديهم، و على احن فى نفوسهم، و عداوه يجدونها فى صدورهم، لوقائع اوقعتها يا اميرالمومنين بهم قديمه، قتلت فيها آبا ءهم و اعوانهم.
ثم التفت الى الناس، فقال: كيف يبايع معاويه عليا، و قد قتل اخاه حنظله، و خاله الوليد، و جده عتبه فى موقف واحد، و الله ما اظنهم يفعلون، و لن يستقيموا لكم دون ان تقصف فيهم قنا المران، و تقطع على هامهم السيوف، و تنثر حواجبهم بعمد الحديد، و تكون امور جمه بين الفريقين.
قال نصر: و حدثنا عمر بن سعد عن الحارث بن حصين عن عبدالله بن شريك، قال: خرج حجر بن عدى و عمرو بن الحمق، يظهران البراءه من اهل الشام، فارسل على (ع) اليهما ان كفا عما يبلغنى عنكما، فاتياه، فقالا: يا اميرالمومنين، لسنا محقين؟ قال: بلى، قالا: اوليسوا مبطلين؟ قال: بلى، قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم ان تكونوا لعانين شتامين تشتمون و تتبرءون و لكن لو وصفتم مساوى ء اعمالهم فقلتم: من سيرتهم كذا و كذا، و من اعمالهم كذا و كذا، كان اصوب فى القول، و ابلغ فى العذر، و قلتم مكان لعنكم اياهم، و براءتكم منهم: اللهم احقن دماءهم و دماءنا، و اصلح ذات بينهم و بيننا، و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق منهم من جهله، و يرعوى عن الغى و العدوان منهم من لهج به- لكان احب الى و خيرا لكم.
فقالا: يا اميرالمومنين، نقبل عظتك، و نتادب بادبك.
قال نصر: و قال له عم رو بن الحمق يومئذ: و الله يا اميرالمومنين انى ما احببتك و لا بايعتك على قرابه بينى و بينك، و لا اراده مال توتينيه، و لا التماس سلطان ترفع ذكرى به، و لكننى احببتك بخصال خمس: انك ابن عم رسول الله (ص)، و وصيه، و ابوالذريه التى بقيت فينا من رسول الله (ص)، و اسبق الناس الى الاسلام، و اعظم المهاجرين سهما فى الجهاد، فلو انى كلفت نقل الجبال الرواسى، و نزح البحور الطوامى، حتى ياتى على يومى فى امر اقوى به وليك، و اهين عدوك، ما رايت انى قد اديت فيه كل الذى يحق على من حقك.
فقال على (ع): اللهم نور قلبه بالتقى، و اهده الى صراطك المستقيم، ليت ان فى جندى مائه مثلك، فقال حجر: اذا و الله يا اميرالمومنين، صح جندك، و قل فيهم من يغشك.
قال نصر: و قام حجر بن عدى، فقال: يا اميرالمومنين، نحن بنو الحرب و اهلها الذين نلقحها و ننتجها، قد ضارستنا و ضارسناها، و لنا اعوان و عشيره ذات عدد و راى مجرب، و باس محمود، و ازمتنا منقاده لك بالسمع و الطاعه، فان شرقت شرقنا، و ان غربت غربنا، و ما امرتنا به من امر فعلنا.
فقال على (ع): اكل قومك يرى مثل رايك؟ قال: ما رايت منهم الا حسنا، و هذه يدى عنهم بالسمع و الطاعه و حسن الاجابه، فقال له على (ع) خيرا.
قال نصر: حدثنا عمر بن سعد، قال: كتب (ع) الى عماله حينئذ يستفزهم، فكتب الى مخنف بن سليم: سلام عليك، فانى احمد اليك الله الذى لا اله الا هو، اما بعد، فان جهاد من صدف عن الحق رغبه عنه، و عب فى نعاس العمى و الضلال، اختيارا له- فريضه على العارفين.
ان الله يرضى عمن ارضاه، و يسخط على من عصاه، و انا قد هممنا بالسير الى هولاء القوم الذين عملوا فى عباد الله بغير ما انزل الله، و استاثروا بالفى ء، و عطلوا الحدود، و اماتوا الحق، و اظهروا فى الارض الفساد، و اتخذوا الفاسقين وليجه من دون المومنين، فاذا ولى لله اعظم احداثهم ابغضوه و اقصوه و حرموه، و اذا ظالم ساعدهم على ظلمهم احبوه، و ادنوه و بروه، فقد اصروا على الظلم، و اجمعوا على الخلاف، و قديما ما صدوا عن الحق، و تعاونوا على الاثم، و كانوا ظالمين.
فاذا اتيت بكتابى هذا، فاستخلف على عملك اوثق اصحابك فى نفسك، و اقبل الينا، لعلك تلقى معنا هذا العدو المحل، فتامر بالمعروف و تنهى عن المنكر، و تجامع الحق، و تباين الباطل، فانه لا غناء بنا و لا بك عن اجر الجهاد، و حسبنا الله و نعم الوكيل.
و كتبه عبيدالله بن ابى رافع فى سنه سبع و ثلاثين.
قال: فاستعمل مخنف على اصبهان الحارث بن ابى الح ارث بن الربيع، و استعمل على همذان سعيد بن وهب، و كلاهما من قومه، و اقبل حتى شهد مع على (ع) صفين.
قال نصر: و كتب عبدالله بن العباس من البصره الى على (ع) يذكر له اختلاف اهل البصره، فكتب اليه على (ع): (من عبدالله على اميرالمومنين الى عبدالله بن عباس): اما بعد، فقد قدم على رسولك، و قرات كتابك، تذكر فيه حال اهل البصره و اختلافهم بعد انصرافى عنهم، و ساخبرك عن القوم، و هم بين مقيم لرغبه يرجوها، او خائف من عقوبه يخشاها، فارغب راغبهم بالعدل عليه، و الانصاف له و الاحسان اليه، و احلل عقده الخوف عن قلوبهم، و انته الى امرى و لاتعده، و احسن الى هذا الحى من ربيعه و كل من قبلك فاحسن اليه ما استطعت ان شاءالله.
قال نصر: و كتب الى امراء اعماله كلهم بنحو ما كتب به الى مخنف بن سليم، و اقام ينتظرهم.
قال: فحدثنا عمر بن سعد عن ابى روق، قال: قال زياد بن النضر الحارثى لعبد الله بن بديل: ان يومنا اليوم عصبصب ما يصبر عليه الا كل مشيع القلب، الصادق النيه، رابط الجاش، و ايم الله ما اظن ذلك اليوم يبقى منهم، و لا منا الا الرذال.
فقال عبدالله بن بديل: انا و الله اظن ذلك.
فبلغ كلامهما عليا (ع)، فقال لهما: ليكن هذا الكلام مخزونا فى صدوركما لا تظهراه و لايسمعه منكما سامع، ان الله كتب القتل على قوم و الموت على آخرين، و كل آتيه منيته كما كتب الله له، فطوبى للمجاهدين فى سبيله، و المقتولين فى طاعته! قال نصر: فلما سمع هاشم بن عتبه ما قالاه، اتى عليا (ع)، فقال: سر بنا يا اميرالمومنين الى هولاء القوم القاسيه قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، و عملوا فى عباد الله، بغير رضا الله فاحلوا حرامه، و حرموا حلاله، و استوى بهم الشيطان، و وعدهم الاباطيل، و مناهم الامانى، حتى ازاغهم عن الهدى، و قصد بهم قصد الردى، و حبب اليهم الدنيا فهم يقاتلون على دنياهم رغبه فيها: كرغبتنا فى الاخره و انتجاز موعد ربنا.
و انت يا اميرالمومنين اقرب الناس من رسول الله (ص) رحما، و افضل الناس سابقه و قدما، و هم يا اميرالمومنين يعلمون منك مثل الذى نعلم، و لكن كتب عليهم الشقاء، و مالت بهم الاهواء، و كانوا ظالمين، فايدينا مبسوطه لك بالسمع و الطاعه، و قلوبنا منشرحه لك ببذل النصيحه، و انفسنا تنصرك على من خالفك، و تولى الامر دونك جذله، و الله ما احب ان لى ما على الارض مما اقلت، و لا ما تحت السماء مما اظلت، و انى واليت عدوا لك، او عاديت وليا لك! فقال (ع): اللهم ارزقه الشهاده فى سبيلك، و المرافقه لنبيك.
قال نصر: ثم ان عليا (ع) صعد المنبر فخطب الناس، و دعاهم الى الجهاد، فبدا بحمد الله و الثناء عليه، ثم قال: ان الله قد اكرمكم بدينه، و خلقكم لعبادته، فانصبوا انفسكم فى اداء حقه، و تنجزوا موعوده، و اعلموا ان الله جعل امراس الاسلام متينه، و عراه وثيقه، ثم جعل الطاعه حظ الانفس و رضا الرب، و غنيمه الاكياس عند تفريط العجزه، و قد حملت امر اسودها و احمرها، و لا قوه الا بالله! و نحن سائرون ان شاءالله الى من سفه نفسه، و تناول ما ليس له و ما لايدركه معاويه و جنده، الفئه الطاغيه الباغيه، يقودهم ابليس، و يبرق لهم ببارق تسويفه، و يدليهم بغروره، و انتم اعلم الناس بالحلال و الحرام، فاستغنوا بما علمتم، و احذروا ما حذركم الله من الشيطان، و ارغبوا فيما عنده من الاجر و الكرامه، و اعلموا ان المسلوب من سلب دينه و امانته، و المغرور من آثر الضلاله على الهدى، فلا اعرفن احدا منكم تقاعس عنى، و قال: فى غيرى كفايه، فان الذود الى الذود ابل، و من لايذد عن حوضه يتهدم.
ثم انى آمركم بالشده فى الامر، و الجهاد فى سبيل الله، و الا تغتابوا مسلما، و انتظروا للنصر العاجل من الله ان شاءالله.
قال نصر: ثم قام ابنه الحسن بن على (ع)، فقال : الحمد لله لا اله غيره و لا شريك له.
ثم قال: ان مما عظم الله عليكم من حقه، و اسبغ عليكم من نعمه ما لايحصى ذكره، و لايودى شكره، و لايبلغه قول و لا صفه، و نحن انما غضبنا لله و لكم، انه لم يجتمع قوم قط على امر واحد الا اشتد امرهم، و استحكمت عقدتهم.
فاحتشدوا فى قتال عدوكم معاويه و جنوده، و لاتخاذلوا، فان الخذلان يقطع نياط القلوب، و ان الافدام على الاسنه نخوه و عصمه، لم يتمتع قوم قط الا رفع الله عنهم العله، و كفاهم جوائح الذله، و هداهم الى معالم المله، ثم انشد: و الصلح تاخذ منه ما رضيت به و الحرب يكفيك من انفاسها جرع ثم قام الحسين بن على (ع)، فحمد الله و اثنى عليه، و قال: يا اهل الكوفه، انتم الاحبه الكرماء، و الشعار دون الدثار، جدوا فى اطفاء ما دثر بينكم، و تسهيل ما توعر عليكم.
الا ان الحرب شرها ذريع و طعمها فظيع، فمن اخذ لها اهبتها، و استعد لها عدتها، و لم يالم كلومها قبل حلولها، فذاك صاحبها، و من عاجلها قبل اوان فرصتها، و استبصار سعيه فيها، فذاك قمن الا ينفع قومه، و ان يهلك نفسه، نسال الله بقوته ان يدعمكم بالفيئه ثم نزل.
قال نصر: فاجاب عليا (ع) الى السير جل الناس، الا ان اصحاب عبدالله بن مسعود اتوه، فيهم ع بيده السلمانى و اصحابه، فقالوا له: انا نخرج معكم، و لانترك عسكركم و نعسكر على حده، حتى ننظر فى امركم و امر اهل الشام، فمن رايناه اراد ما لايحل له او بدا لنا منه بغى كنا عليه.
فقال لهم على (ع): مرحبا و اهلا، هذا هو الفقه فى الدين، و العلم بالسنه، من لم يرض بهذا فهو خائن جبار.
و اتاه آخرون من اصحاب عبدالله بن مسعود، منهم الربيع بن خثيم، و هم يومئذ اربعمائه رجل، فقالوا: يا اميرالمومنين، انا قد شككنا فى هذا القتال، على معرفتنا بفضلك، و لا غناء بنا و لا بك و لا بالمسلمين عمن يقاتل العدو، فولنا بعض هذه الثغور نكمن ثم نقاتل عن اهله، فوجه على (ع) بالربيع بن خثيم على ثغر الرى، فكان اول لواء عقده (ع) بالكوفه لواء الربيع بن خثيم.
قال نصر: و حدثنى عمر بن سعد، عن يوسف بن يزيد، عن عبدالله بن عوف ابن الاحمر، ان عليا (ع) لم يبرح النخيله، حتى قدم عليه ابن عباس باهل البصره.
قال: و كان كتاب على (ع) الى ابن عباس: اما بعد، فاشخص الى بمن قبلك من المسلمين و المومنين، و ذكرهم بلائى عندهم، و عفوى عنهم فى الحرب، و اعلمهم الذى لهم فى ذلك من الفضل.
و السلام.
قال: فلما وصل كتابه الى ابن عباس بالبصره، قام فى الناس، فقرا عليهم الكتاب، و ح